| |
وثائق البدون... حلول عاجلة لا آجلة السفير: عبدالله بشارة
|
|
تقول وزارة الداخلية الكويتية - كما نشرت صحيفة القبس الكويتية - صباح الخميس الماضي 30 نوفمبر 2006م إن الحلول العملية سيتم تنفيذها لمختلف متطلبات المقيمين بصورة غير قانونية، ولا سيما في استخراج رخص القيادة وجوازات السفر لأداء مناسك الحج للدراسة في الخارج مع استعجال لتطبيع الأوضاع لهذه الفئة. ويبقى موضوع البدون هماً أمنياً لا بد من تجاوزه وفق قواعد واضحة وثابتة لا تتبدل وفق المواسم والأمزجة. ونعترف أن الموضوع ليس محصوراً في الكويت فقط، وإنما ظاهرة عالمية تتوافر في كل دولة ذات بريق سياسي واقتصادي مستقر، نراها في الولايات المتحدة وفي أوروبا بكل دولها وفي دول الخليج وآسيا، ولا يمكن استثناء أحد من هذه الظاهرة بما فيها البلدان النفطية، لأن التعلق بأمل تحسين الحياة غريزة طبيعية لدى كل إنسان، ويمكن أن نوجز بعض الملاحظات في هذا الشأن المقلق: أولاً: من حق الكويت ومن حق الكويتيين إظهار القلق من نتائج التجنيس في تغيير المعادلة السكانية الدقيقة التي تجد الكويت نفسها فيها بعد التحولات الدراماتيكية في التركيبة السكانية حتى وصل العدد إلى أكثر من مليون نسمة، بينما لم يكن منذ الاستقلال أكثر من مئتين وخمسين ألفاً بزيادة أربع مرات خلال أقل من خمسين سنة، وهي حالة غير طبيعية حدثت بسبب التوسع في التجنيس وفق نهج عفوي لا علاقة له بموازين الاستراتيجيات السكانية التي تتبناها الدول. ويأتي القلق من الخوف من الذوبان، خصوصاً من الشريحة التي رافقت حياة الكويت الصعبة منذ باديتها وتعايشت مع مآسيها وارتبطت بالرضا والقناعة بتراب الكويت، ورفضت الهجرة إلى إغراءات دول الجوار المعيشية سواء في البحرين أو إلى الشمال في البصرة أو في وادي الشام، وتحصنت بالكويت في معاركها وفي فقرها، معتمدة على الشراع والذراع بحراً وصحراءً، في حياة يسيطر عليها الكفاف والجفاف. ومن حق هؤلاء الذين لم يروا الراحة في الماضي ووفروا الحماية للكويت عند الشدة أن يراقبوا التبدلات التي قد تؤثر في القاعدة السكانية التاريخية الصلبة التي أبعدت المخاطر عن الكويت وعاشت فيها حتى هذا اليوم. ولا أجد غضاضة في المقالات والآراء والمواقف المعبرة عن القلق من تلاشي الأعمدة الصلبة للحياة الكويتية، وهو أمر طبيعي نشاهده في أمريكا وأوروبا، ولا يشكل خروجاً عن الطباع البشرية. ثانياً: ومع ذلك تبقى الكويت دولة جاذبة ومغرية تبرر المغامرات في التسلل والمتاعب في الوصول إليها وتتشوق إليها الأنفس في إخفاء الانتماء الأصلي، ونكران الجذور، وتبديل الأسماء والملفات والاستنجاد بالهيئات والشخصيات وصولاً إلى تقنين الوجود في المجتمع الكويتي، ولا أعتقد أن هناك نهاية لحالة البدون، فإذا ما أنهت الكويت بدون اليوم ستجد أفواجاً جدداً من بدون الغد، ونحن نقرأ يومياً عن الأمواج البشرية التي تغامر في حياتها هروباً من بؤس إفريقية نحو أوروبا، ونأخذ في حسابنا جغرافية الكويت القريبة من إيران المصدرة للبائسين والباحثين عن حياة أفضل ومن العراق الطاردة لأهلها وشعبها نحو الجيران. ومع ذلك، فإن الوضع الحالي بحاجة إلى حل جذري لا يأتي دون قرار سياسي راديكالي، يقضي بإعطاء المستحقين من البدون حقهم وفق إحصائية 1965 وإدخالهم في المجتمع الكويتي كمواطنين صالحين مقبولين، لهم ما لغيرهم، طالما قبلت الكويت بإحصاء 1965 كفاصل شرعي وقانوني لتاريخ الحركة البشرية نحو أراضيها، وربما تعطل وتأخر تنفيذ الاعتراف الرسمي بتجنيس جماعة 1965 بسبب إجراءات التدقيق والمتابعة الأمنية وفقاً لشروط الانتساب. وإذا كان الالتزام بإحصاء 1965 ما زال قائماً، فلا بد من توضيح ذلك وبقوة لكي تطمئن تلك الشريحة على مستقبلها وعلى واقعها المؤدي إلى انصهارها، ومن المؤكد أن التغييرات في الإجراءات وفي تناول الملف الخطر أدى إلى التوتر الذي تعيشه هذه المجموعة، فلا مفر من قيام الأجهزة الرسمية بمسؤولياتها بقرار سياسي حاسم يرسم طريق المستقبل بوضوح لفئة البدون، فمن يشمله الإحصاء نظيفاً يدخل المواطنة بثقة وترحيب، وعلى الذين لا يشملهم الإحصاء تعديل الأوضاع وكشف حقائقهم مع إعطائهم إقامة دائمة للعمل وبشكل قانوني. ثالثاً: نعترف أن الكويت دولة مستوردة للعمالة من عرب وغير العرب، وليس من المنطقي استقدام وافدين ليقوموا بأعمال تستطيع فئة البدون القيام بها بسهولة دون مضاعفات في الأعباء على الدولة، فهؤلاء لا يحمّلون الدولة عبأ، بينما تعاني الدولة من كثرة الوافدين الذين يقومون بأعمال عادية ومتوسطة يمكن أن تتولاها هذه الفئة، ونلاحظ كثرة الجرائم المستوردة بينما البدون لهم عادات أهل البلد في السلوك والثقافة، وربما الميول. وأقول ذلك من تجربة، حيث يعمل معي في المكتب عدد من البدون لهم الوفاء والولاء والصدق ويعانون مثل غيرهم من متاعب المجهول، وهم أبدى وأحق من غيرهم القادمين حديثاً من بلدان أخرى، وهناك فنيون ومختصون من البدون هاجروا إلى كندا وإلى بلدان أخرى كان بالإمكان الاستفادة منهم. أتذكر أنني بعثت إلى شركة كويتية قطعة أرض اكتشفت بعدها أن المالك دكتور في كندا من البدون الكنديين، تريد أن تعود بعد أن صارت كندية. حالات كثيرة معقدة بسبب الوضع المايع في التعامل مع فئة البدون الذين يعانون كثيراً، محرومين من حقوق، بينما يرون أسواق الكويت وشوارعها تكتظ بالمستوردين من الذين لا يفيدون الكويت إلا في القليل ويأخذون من اهتمامها كثيراً، أكثر مما يستحقون، ونقرأ أيضاً عن تجار الإقامات الذين تكثر فرصهم مع عدم البت في مصير البدون الذين يشكلون احتياطياً بشرياً مفيداً أن يقلل الحاجة إلى المستورد. رابعاً: كلما تأخر الحل استفادت العناصر التي تريد الاستفادة من شأن البدون بطرحها سياسياً وإعلامياً، والحصول على التكسب الشعبوي والسياسي من ورائها، إلى درجة صار الموضوع في القائمة الأولى للبرنامج السياسي للمرشحين، وتولدت فئة تسمى نواب البدون، وهي فئة موجودة في المجتمعات المختلفة في أوروبا وفي أمريكا لأن السياسة هي البحث عن الاستحواذ على كل ما يفيد جدول الأعمال السياسي، فلا نجزع من التسميات ولا نستغرب من وجودها. نحن ندعو إلى العلاج الجذري ليس فقط حصر المشكلة في جوانبها الإنسانية مثل المدارس والبطاقة والسياقة والزواج، إنما نريد المواجهة الجذرية في تخفيض حجم ملف البدون في الكويت، ونقول مع التكرار: إن وضع البدون في الكويت لا يعالج بالأسلوب المنطقي السوي، لأننا نريد الاستفادة من طاقاتهم، بدلاً من استيراد الوافدين الذين شكلوا فيما بينهم شبكة من التجمعات تتدافع بالفزعة فيما بينها عند الضيق، لكن لا يقع الخائب منها في قبضة البوليس. ونسعى إلى التلويح بالأمل لدى الفئات المستحقة لكي لا تندفع نحو اليائس، فتسلك درب التدمير والتخريب والانزلاق نحو ما يضر الكويت ويضعف من جمال صورتها إقليمياً ودولياً، ويعكر صفوها في الداخل. هل معقول أن تأتي الطائرات بالمستوردين ليعملوا في وظائف بسيطة، ويبقى البدون في التجميد والحظر مع لياقتهم في العمل، ولا سيما في الوظائف الإدارية والحياتية المتوسطة، مع بروز أعداد لا بأس بها في الشريحة الغنية. إنهاء معضلة البدون يرفع هيبة القانون ويعيد المكانة اللائقة لفاعلية الأجهزة الرسمية التي حتى الآن لم تظهر الإرادة المؤثرة في إغلاق هذا الملف الذي يتعاظم يومياً ما لم ننتهِ منه.
abdullah_bishara@yahoo.com |
|
|
| |
|