| |
استرعى انتباهي الأخلاقيات الفردية .. تقود العالم الجديد د. عبد الله بن ناصر الحمود (*)
|
|
هل يمكن تصوُّر سقوط أهمية مواثيق الشرف، وأخلاقيات المهنة، في العالم المعاصر؟ .. من المؤكد أنّه من غير السائغ تخيّل ذلك، وإنْ كانت تلك المواثيق والأخلاقيات تعاني في واقعها من هزّات عنيفة تكاد تُسقطها هي، غير أنّها - دون شك - لن تُسقط أهميتها في المستقبل المنظور. لكن الذي يسترعي الانتباه اليوم، هو أنّ معادِلاً مهنياً (فرديّاً) قد تشكّل جنباً إلى جنب مع (المؤسسيّة) أو (الجماعية) أو أحياناً (الإمبراطوريات الاتصالية) التي تقود واقع الاتصال الإنساني المعاصر على المستوى الدولي. لقد كانت النظرة التقليدية لوسائل الاتصال الجماهيري تستند إلى قدرة تلك الوسائل على إنتاج ونشر المعلومات والأخبار والبرامج الثقافية والترفيهية بشكل نمطي إلى جمهور واسع وغير متجانس، إلاّ أنّ وسائل الاتصال الجديدة بخصائصها غير التقليدية، هدمت الأساس الذي قام عليه هذا المفهوم، فلم يَعُد المنتج الثقافي أو الترفيهي أو الإخباري لهذه الوسائل ينتقل عبر مركز واحد للإنتاج بل من خلال مراكز متعدِّدة، وبالاستناد إلى تقنيات الحاسوب الفائقة القدرة. ومن هنا، برزت الطبيعة الجديدة لوسائل الإعلام التي اندمجت تلقائياً مع الحاسبات، واستطاعت أن تغيِّر خارطة الإرسال والاستقبال لتصبح في أكثر تعدُّدية مرت على تاريخ التواصل الإنساني، بالقدر الذي يمكن معه أن يكون لدينا (مرسلون) للمضامين والأشكال الاتصالية يوازي تماماً عدد (المستقبِلين)، وذلك يعني، أنّه قد أمكن (نظرياً) أن يكون كلُّ الناس في أي مكان من العالم (مرسلين ومستقبِلين) في وقت واحد، وبكفاءة عالية جداً. ويعني ذلك - أيضاً - أنّ الجمهور (الفرد) قد بات يوازيه في دنيا الاتصال الدولي مصدر (فرد) ومُرسِل (فرد)، ومن هنا، يمكن تفسير القلق الموجود جرّاء استخدام هذه الوسائل في البيئة العالمية المعاصرة. إنّ معطيات التطوُّر الكبير في تقنيات الاتصالات والحاسبات والتزاوج بينها، قد أسهمت في إيجاد وسائل جديدة يمكن وصفها بوسائل الإعلام والاتصال (اللاجماهيري)، وذلك للدلالة على الطبيعة (الفردية) لاستعمالات هذه الوسائل، بالقدر الذي جعل المجتمعات الإنسانية تصبح رهينةً لما يمكن أن ينتجه ويبثَّه كلُّ (فرد) وأي (فرد)، من أي مكان في العالم، لتصل تلك الرسالة إلى أي مكان آخر. ويشير ذلك بوضوح إلى أنّ قضية الاتصال بالآخر بدأت تأخذ في الأزمنة الأخيرة أبعاداً مختلفة جداً ومهمة جداً في الوقت نفسه، من خلال القدرة الفائقة للاتصال بين سكان الأرض عبر وسائل وأدوات متطوّرة جداً. فلم يَعُد الأمر مرهوناً ب (مؤسسات) الإعلام التي يمكن أن تكون ذات هوية مؤسّسية ثقافية شاملة أو سائدة، بل أصبح العالم اليوم مضطراً لأن يتعامل مع (الأفراد) على أساس أنّ لكلِّ (فرد) فيه إمكانية أن يستقل بهوية ذاتية خاصة، وأنّه يمكنه العمل على نشر هذه الهوية - بجدارة - إذا ما رغب في ذلك. من هنا، أظنُّ أنّه ينبغي أن تعمل كبريات المنظمات الإقليمية والدولية المعنية بشؤون الاتصال والتبادل الثقافي على وضع (مواثيق شرف) من (نوع جديد) تقوم على مخاطبة (الفرد) المُرسِل الذي يمكنه أن يُطلق رسالته الخاصة من غرفته أو من مكتبه أو من صالون جلوسه إلى أي (فرد) في العالم. إنّنا مع عصر التواصل الاختياري أحياناً والقسري غالباً، نحتاج - فعلاً - أن نتفق على حدودٍ دنيا من أخلاقيات التواصل بيننا، بالقدر الذي نراعي فيه ما نرى ضرورة مراعاته، ونسطِّر فيما بيننا خطوطنا المشتركة، وتلك الخطوط الأخرى التي تفصل بيننا بكلِّ تدريجات ألوانها من الأخضر إلى الأحمر، حتى يمكن لكلِّ فرد معاصر اليوم أن يعرف حقوقه وواجباته. إنّ (الأفراد) اليوم (يقودون) عالمنا المعاصر بجدارة لم يعهدها المجتمع الإنساني، وإنني لأخشى أن يكون شيئاً من أسباب إخفاقاتنا على المسرح الدولي الإنساني، يعود إلى أنّنا لم ندرك بعد هذه الحقيقة بالقدر الكافي، فمضينا ننقد مؤسساتنا وننشد الخلاص عبرها، وغفلنا عن واقع اتصالي مشهود (يتبختر) فيه (الأفراد) منعتقين من كلِّ ميثاق وعهد.
(*) نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال.
alhumoodmail@yahoo.com |
|
|
| |
|