Al Jazirah NewsPaper Friday  01/12/2006G Issue 12482الرأيالجمعة 10 ذو القعدة 1427 هـ  01 ديسمبر2006 م   العدد  12482
رأي الجزيرة
الصفحة الرئيسية

الأولى

محليــات

الاقتصادية

الريـاضيـة

مقـالات

المجتمـع

فـن

استراحة

الثقافية

دوليات

متابعة

أفاق اسلامية

أبناء الجزيرة

منوعـات

نوافذ تسويقية

شعر

الرأي

عزيزتـي الجزيرة

الطبية

تحقيقات

مدارات شعبية

زمان الجزيرة

الأخيــرة

ذكرى أمير سعودي في كازاخستان
د. خيرات أيلوبايف / دكتور في العلوم البيولوجية لجمهورية كازاخستان

فارق الأمير محمد بن بندر بن محمد بن عبدالرحمن آل سعود الحياة منذ ثماني سنوات، لكن ذكرى هذا الرجل الفاضل لن تبقى في أذهان مواطنيه فقط، بل في كل الدول التي زارها. لقد كانت كازاخستان واحدة من تلك الدول، وللأمير فيها الكثير من الأصدقاء الطيبين، من بينهم عالم البيئة الكازاخي المشهور خيرات إيلوبايف.
تعرفنا على صاحب السمو الأمير محمد في خريف عام 1993م، وكان ذلك في مطار مدينة ألما - آتا، حيث استقبلته هناك، ورافقته بعد ذلك في أرجاء كازاخستان.
كان الأمير مميزاً دائماً في محيطه. الأمير رجل وسيم ساطع، صاحب قيافة نبيلة، هادئ، عنده روح محببة، عندما تقترب منه ستُدهش بثقافته العالية ومعرفته العميقة لتفاصيل الحياة. كان الأمير، برغم سنه الصغير نسبياً، حكيماً وثاقب الفكر. لقد تأكدت من ذلك أكثر من مرة من خلال احتكاكي به.
لم يُعطني الأمير انطباعاً أثناء ملازمتي له أكثر الوقت في جولاته في أرجاء كازاخستان أنه أحد أفراد العائلة المالكة في السعودية. يقود الأمير السيارة أكثر الوقت بنفسه، يتحمّل بثبات قساوة الصحراء والبراري، وهو دائماً متفائل ومنشرح الصدر.
كانت السعادة تغمر الأمير أثناء تعامله مع الصقور. كان يقضي الساعات الطوال معها. كان يجلس إلى جانب الصقر ويكلمه بلطف. من المعروف أن الصقر الكازاخي يفهم التعامل مع الإنسان.
كان الأمير خبيراً بعلم النفس وكان يفهم الناس ويساعد المستقيمين والشرفاء ويبتعد عمن سواهم. كان الأمير يعرف عادات الوحوش والطيور. ذهبت مع الأمير في أحد الأيام برحلة إلى البراري، وهناك شاهد أيلاً على مسافة بعيدة، فسألني حول إمكانية صيده. تعجبت من سؤاله وقلت له: لماذا؟ فكان جوابه أن الأيل مريضة ومن المحتمل أن تصبح بين لحظة وأخرى فريسة للذئب.
لم يكن مظهر الأيل يدل على مرضها، لكن ثقة الأمير جعلتني أنا كمندوب عن إدارة مراقبة شؤون الصيد، أعطي أمراً بقتلها. استطاع الأمير قتل الأيل من مسافة بعيدة بطلقة واحدة. لقد تأكدت من صحة رأي الأمير عند تقطيع الأيل، فقد تبين أنها مصابة بجروح بطلق ناري من صياد غير نظامي، وأنها تشارف على النفوق.
كان الأمير دائماً لطيفاً مع كل الناس المحيطين به. عندما غادر المدينة في أحد الأيام سأل: هل كمية الطعام والماء كافية في المعسكر، وهل قطع الخشب تكفي لتحضير الطعام؟ أذكر أننا في أحد الأيام في أواخر فصل الخريف كنا نقيم معسكراً في الصحراء، وفجأة بَرَدَ الطقس وتساقط الثلج وبدأت عاصفة ثلجية، وهبطت درجة الحرارة بسرعة إلى مستوى 20 درجة تحت الصفر، مع العلم أننا كنا جميعاً نلبس ملابس خفيفة. قام الأمير مباشرة بإرسال سيارة إلى ألما - آتا، التي تبعد 200كم، من أجل جلب الملابس الشتوية، وهذا ما حصل، فلقد أصبحنا جميعاً في اليوم التالي بملابس شتوية.
سأذكر لكم حادثة أخرى، لكنها محزنة. في أحد الأيام وقع حادث سير لموكب الأمير في منطقة تبعد 600 كم عن ألما - آتا، فجُرح عدد منهم. كنت أنا وقتها بطلب من الأمير في ألما - آتا، من أجل تحضير الوثائق المتعلقة بالتعاون طويل المدى بين الأمير ووزارة البيئة بخصوص حماية الصقور وتكاثرها في حاضنات. عندما سمعت بالحادث أقلعت بطائرة الهليكوبتر إلى مكان الحادث، وكان يرافقني على الطائرة واحد من أفضل الأطباء الكازاخيين ومندوب من وزارة الخارجية الكازاخية. لقد بذل طبيبنا جهوداً كبيرة لإقناع الأمير بإبقاء جميع المصابين في مشفى ألما - آتا للعلاج، إلا أنه قرر وأصرّ على إرسال أحد الأشخاص الذي أُصيب إصابة بليغة إلى الرياض جواً للعلاج. كم تمنيت أن يبرأ الشخص الذي حملناه إلى الطائرة وأن يشكر الأمير على إنقاذه حياته. نقلنا بقية المصابين إلى المستشفى في ألما - آتا وبقوا هناك حتى تعافوا جميعاً.
الشدائد هي الوحيدة التي تُظهر طبيعة الإنسان وتختبر معدنه. لقد كان الحادث سبباً في ظهور صفات الأمير وأخلاقه النبيلة. لم يكن الأمير يفارق المصابين، وكان يتصل هاتفياً بالرياض للاطمئنان على صحة المصاب. كان الأمير يسأل دائماً عن أحوال المصابين الراقدين في مستشفى كازاخستان.
إليكم ميزة أخرى لسمو الأمير؛ إنها الشجاعة والإقدام. لا يهاب الأمير الظروف الصعبة. تعلم الأمير التزلج بسرعة. وهو لا يخاف من الانحدارات الجبلية الشديدة، وكان يقود سيارته بنفسه.
يحب الأمير كثيراً الطبيعة البكر. كان الأمير أثناء رحلاتنا في الأراضي الكازاخية يساعدنا ويساعد مراقبي الصيد، الذين كانوا يرافقونه في مكافحة الصيادين غير الشرعيين. من أجل هذا أعطانا الأمير سيارته الخاصة (نيسان - باترول) المزودة باللاسلكي. كان الأمير يطلب من مرافقيه إعلام المراقبين المختصين عن ظهور الصيادين غير الشرعيين.
أعلمونا في أحد الأيام باللاسلكي من سيارة الأمير عن وجود صياد غير شرعي. أعطانا الأمير سيارة جيب، وبواسطتها استطعنا القبض على الصياد بسرعة. حصلت معنا حالات كثيرة مماثلة. أصبح الصيادون غير الشرعيين يخافون الظهور في منطقة تواجد الأمير.
جلب الأمير معه خططاً رائعة من أجل حماية الصقور والمحافظة على الطبيعة الخلابة في كازاخستان. اقترح الأمير تشكيل مجموعة على نفقته الخاصة مهمتها حماية الصقور الكازاخية وبناء الحاضنات المخصصة لتكاثرها.
بتأثير من الأمير تغيرت نظرتنا إلى الحياة أنا وجميع من رافقه في جولاته في كازاخستان. يعتبر الأمير واحداً من العرب الأوائل في كازاخستان. جلب الأمير معه إلى كازاخستان نسخاً من المصحف الشريف وزعها على مساجد كازاخستان، وقد أهداني واحدة منها، وأنا أحافظ عليها وأعتني بها.
أنفق سمو الأمير محمد بن بندر أموالاً على بناء المساجد في كازاخستان، وقدّم المساعدات لثروتنا الحراجية. اشترى الأمير سيارة لاندروفر وأهداها لإدارة مراقبة الصيد. ساعد الأمير مادياً علماء معهد علم الحيوان في وضع العلامات على الطيور من أجل البحث العلمي. قام الأمير بعمل الكثير من أعمال الخير في كازاخستان، التي لن ننساها أبداً.
إننا اليوم نأمل في بناء حاضنة لتكاثر الصقور في كازاخستان لتكون ذكرى عن الأمير محمد بن بندر وعن أعماله الخيّرة والشريفة. ستساعدنا الحاضنة في تنمية وتربية الصقور وإطلاقها في الطبيعة. ستبقى حية ذكرى الابن البار للمملكة العربية السعودية، الرجل الذي قام بالكثير من أعمال الخير.
ما زالت بعد مرور السنين الشعلة التي أوقدناها مع الأمير في يوم ما مضيئة، وستبقى كذلك دائماً.



نادي السيارات

موقع الرياضية

موقع الأقتصادية

كتاب و أقلام

كاريكاتير

مركز النتائج

المعقب الإلكتروني

| الصفحة الرئيسية|| رجوع||||حفظ|| طباعة|

توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية إلىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية إلى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved