| |
نوازع نمطية التفكير د. محمد بن عبد الرحمن البشر
|
|
يرسخ في ذهن الكثير من الناس فكرة معينة عن مجتمع ما أو فرد بعينه، وتظل هذه الفكرة عالقة قد تتوارثها الأجيال لفترات قد تطول، وما من شك أن هذه الفكرة قد تجسدت من واقع حال في حقبة قد تكون قصيرة أو قد تطول. صاحب كتاب (التوفيق للتلفيق)، أومأ إلى هذا المعنى بقوله: (الزنج أطرب الناس، والروم أبخل الناس، والترك أغدر الناس). وقد لا يكون مصيباً فيما ذكر، وربما تولدت لديه هذه الفكرة نتيجة موقف بذاته، أو بنقلٍ عن غيره، لكنها نمطية التفكير التي قد تسود في مجتمعات نحو مجتمع بعينه، ولكنا نعرف تلك النكات التي يطلقها الإنجليز على الأسكتلنديين، والهولنديون على الفلمش البلجيكيين. وفي إحدى مدن المملكة، يسأل السائل صاحب المطعم قائلاً له: أريد رأس خروف فيأتي له برأس بعد نزع المخ منه وهي فكرة نمطية عن أن أهل تلك البلاد ليس لديهم تفكير جيد. وتعالوا لنتحدث عن واقع الحال في مجتمعنا القائم، فهناك فكرة نمطية لدى بعض المجتمعات العربية أن أبناء الخليج مجرد بدو وهبهم الله بعضاً من المال من خلال ثروة لم يكتشفوها ولم يساهموا في صنعها. هذه الفكرة النمطية أضافوا إليها لوناً آخر من النمطية يتعلق بأسلوب صرف هذه الثروة القادمة من باطن الأرض. تغير المجتمع الخليجي الذي كان بدوياً وسيظل كذلك فالبداوة فخر امتلأت عقول أهلها بالقيم النبيلة والمثل العليا، والأخلاق الفاضلة. تغير هذا المجتمع في أنماط حياته بفضل ما حباه الله من المال، كما تغير في مقدار ثقافته وعمق تفكيره، وامتزاجه مع غيره، وقدرته على استيعاب مفاهيم المجتمعات الأخرى والتعايش معها، لكن نمطية التفكير لدى البعض الآخر ظلت بجهل أو بتجاهل كما هي دون تغيير، مع أن ركبنا قد سبقهم، وقاربنا قد تجاوزهم ومفهومنا للأمور قد تعداهم. ثقافتنا الدينية هي رأسمالنا، وقيمنا وأخلاقنا هي الكنز الذي ورثناه من أجدادنا، ورسول الهدى أنار لنا طريق الحق (إنما جئت لأتمم مكارم الأخلاق)؛ هذه القيم النبيلة أراد البعض من الكُتَّاب في بعض الدول الأجنبية إزاحتنا عنها فاستغل البعض منهم خروج مجموعة قليلة عن النهج القويم، فتم تكبيره وترديده، وترويجه ليرسخ نمطية في ذهن المتلقي وليبقى كذلك في الأذهان عبر الأزمان، ولذا كان من الواجب علينا منافسة تلك الأقلام لبلوغ الأذهان المحتاجة إلى المزيد من المعرفة عن هذا المجتمع الغريب عنهم. عندما تكون أقلامنا قادرة، وإعلامنا نافذ في أفئدة تلك المجتمعات فهذه كفيلة بمحو تلك النمطية في ذهن الآخر وعندما يكون هناك قصور في تلك الأدوات فعلينا نحن المجتمع بسلوكنا أن نكون قادرين على صنع نمطية رائعة في أذهان الغير. عندما يذهب البعض مِنَّا إلى الشرق أو الغرب فهو في الغالب أكثر الناس إنفاقاً للمال وأكثرهم طيبةً ومحبةً وقرباً إلى القلوب ونحن مثلهم نذهب إلى المطاعم والمقاهي والمنتجعات ونستمتع بالطبيعة والأنهار والحدائق ونحوها. غير أن الفارق في الأسلوب الذي يحقق فيه كل مِنَّا بغيته ومراده، فيمكننا تحقيق تلك المنافع بأساليب أكثر هدوءاً وأرشد إنفاقاً وأجدى نفعاً. يمكننا أن نصرف أقل بكثير لتحصل على المنفعة ذاتها، وأن نستمتع بالبحر والنهر دون إزعاج الآخرين، يمكننا أن نجتمع معاً في دار أحدنا أو في مقهى ونتحدث إلى بعضنا دون رفع صوت مزعج، أو إخلال بالنظم والآداب والأعراف المتبعة. هذه السلوكيات الجيدة ستساعد في ترسيخ نمطية في تفكير الغير، تجعله لا يصدق ما قد يتناقض مع واقع ما يشاهد، كما أنه سينقل ما يراه إلى غيره من أفراد مجتمعه وهكذا يمكن أن نغير النمطية في أذهان الغير بما يتفق مع واقع أخلاقنا التي أمرنا ديننا بها.
|
|
|
| |
|