| |
البوارح حالة تأمُّل في وضع الجيل المعاصر د. دلال بنت مخلد الحربي
|
|
لم يكن المنظر جديداً على شخصي وأنا أتأمل الطالبات في الفناء الخارجي للكلية حيث كنّ يتدافعن للخروج، والبعض متجاورات في جلستهن بطريقة ليس فيها (ذوق)، وأخريات منشغلات بفحص زينتهن. وما بين متشاغلة ومتعبة وضاحكة وعابسة أخذت أتأمل تلك الوجوه، لم تكن سوى مجرد دقائق كشفت لي مقدار الخلل الذي يعانيه هذا الجيل، ومع يقيني التام بأننا نقسو عليه كثيراً في الحكم، ونحمله فوق طاقته من اللوم والتقريح والتأنيب، وكأنما هو المسؤول وحده عما هو عليه، وكأنما أيضاً كنا الجيل المثالي، لكن شأن البشر طوال تاريخهم كل جيل يرى أنه كان أفضل من لاحقه. على أية حال، أعود إلى مشهدي الذي كنت أتأمله، فعدم الاحترام كان جلياً في تصرُّفات الكثير منهن، احترام الآخر والتعامل معه بشكل راقٍ بدل دمغه والتلفظ عليه أو أقلها العبس في وجهه وأخذ مكانه، لم يكن هناك محاولة لترتيب الخروج بهدوء وإعطاء الفرصة للأول، بل تقافز كالقرود التي أطلقت من أقفاصها وعذراً للتشبيه. الحديث بصوت مرتفع، الضحك بصوت عالٍ، والتمايل ومحاولة إثارة الانتباه ولبس ما هو غير مناسب، وإهمال البعض لمظهرهن متخطيات تماماً معنى من معاني (الأنوثة)، وفوق ذاك تبدين بائسات يائسات، والحديث عن أستاذاتهن وأساتذتهن بتهكم وسخرية وازدراء، بل ونزبهم بألقاب مضحكة. هذه بعض سلوكيات جيل، جيل لا تعلم مصدر تربيته، ولا حتى مصدر ثقافته وأنت تدقق النظر في تفاصيل لحظة يعيشها ويتفاعل معها. ظللت طوال يومي أفكر في البحث عن عوامل الخلل، هل هو في العمالة الموجودة في المنازل التي أصبحت داءً أكثر من كونها ظاهرة تتغلغل في جسد المجتمع وتنخر السوس فيه بمشكلاتها وأخلاقياتها المنحرفة إلا من رحم الله، أم انصراف الأهل عن متابعة شؤون أولادهم، وبالتالي نشأ فراغ واسع وهوة سحيقة بين جيل منصرف وجيل أصبح وضعه كالتائه يتلقّى التوجيه من هنا وهناك ويبني مواقفه حسب خبرته المتواضعة، أم هي المدرسة والجامعة، أم هو الإعلام بكافة قنواته ورسائله وأساليبه؟ مَن المسؤول عن جيل تدور جل أحاديثنا عنه، جيل يلفّنا القلق والتوتر إذا ما طرحنا أو ناقشنا أي قضية تخصُّه، جيل نعرف كل المعرفة مقدار ما يعانيه وما يقاسيه، ونعرف أيضاً مقدار الخلل الذي يحيط به.
|
|
|
| |
|