| |
المقعدُ الأخير..! إبراهيم بن عبد الرحمن التركي
|
|
(1) ** رأى أفلاطون (المعرفة) أساس الفضائل الأربع إلى جانب الشجاعة والعفة والعدل. واختلف معه آخرون من لدنه إلى لدّنا إلا في (المعرفة) التي ظلت ثابتة في البناء الإنساني، وبقيت أمور أخرى نسبية الفهم والممارسة؛ فمفهوم (الشجاعة) متبدل بين (عنترة) و(جيش المهدي) مثلاً. والعدلُ -بلغة الكاوبوي الأمريكي- يقتل ملايين العراقيين والفلسطينيين واللبنانيين والأفغان ويسجن في مقابلهم مجرماً واحداً من آلاف مجرميهم بضعة أشهر، ولا يحاسب نفسه أو يحاسبُه أحد على الهدم والنهب والحرق والاغتصاب والمجون. والعفةُ - في أحد معانيها- مالٌ تسلبه المرجعيات من الفقراء لتشعل به حروباً على امتداد الوطن الإسلامي تصديراً لثورة وانتصاراً لقوميّة، ثم تعلو شعاراتها حول (المال الشريف) الذي ينقل المواجهة مع (يهود) ومع (أمريكا) إلى حيث لا يطال رؤوسهم شرر ولا ضرر..! ** لنُعدِّ عن ذا؛ فقد أوجعتنا السياسة، وأماتنا المغامرون، ولنعدْ إلى المعرفة فقد تكون طريقنا المسالم الطويل نحو التغيير..! (2) ** لا نحتاجُ إلى أن نعلم أن جامعاتنا في المرتبة المئة أو الألف أو حتى مئة الألف لنبدأ حواراً عاطفياً حول التعليم؛ كما لا يُهمنا إن جاءت المعايير المعتمدة متميزةً أو متحيزةً، فحتى لو صنّفت الجامعات السعودية ضمن العشر الأول فلن يغيِّر ذلك من حقيقة تدهور التعليم لعوامل يشترك فيها المخطط والقائد والمنفذ (التربويون)، كما يُسهم المجتمعُ - قبلهم أو معهم - في وضع عقبات أمام التطوير..! ** ويتصادفُ أن ينشر التقويم العالميّ دون أن تبدو في الأفق ملامحُ مبشرةٌ بانعتاق التعليم من إساره الرسمي والشعبي الذي كبَّل العقول الراغبةَ في إضاءة المسارات وفتح النوافذ، وهنا صورة جديدة لحكايات قديمة..! (3) ** استطاعت (الأدلجةُ) اختطاف التعليم حين تحول الحوار حول (المناهج) -وهي متغيرات- إلى حوارٍ يمسُّ الأساسات العقدية التي هي ثوابت، ونجح المؤدلجون في سحب الحوار إلى حيثُ يُقفَلُ قبل ابتدائِه بدعوى الحفاظ على الهُوية التي يتربصُ بها الآخرون شراً..! ** والخطوة الأولى هي فك هذا الاشتباك بين المفاهيم والمصطلحات والمقررات وبين المرتكزات الدينية، وقطع الصلة أمام توهم أن التغيير في مقرر ألَّفه بشر يعني تغييراً في نص مقدَّسٍ ثابت الدلالة والرواية..! ** لم نعِ بعدُ أن من يطلب تطوير المقررات هو الأحرص على مستقبل الأمة، وهو الأوفى لماضيها، والبقاءُ في هذا الجدل الموجِع لا يحتمل أكثر من تجذير سوء الظنِّ، وترك الأجيال المتطلعةِ خلف سواتر مغلقةٍ تشفُّ ولا تشفي؛ فيرى الطفل العالم بشكلٍ مختلفٍ عما يتعلمُه، ويشبُّ فتتولدُ النقائضُ في نفسه، ثم يشيبُ متحسراً ويتذكر بيد العيساء (يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمولُ..)..! ** وإذا اتفقنا أن من يطالب بتطوير المقررات كلها دون استثناء ليس مرجفاً في الأرض أو مغترباً في الفضاء، فإن إعادة النظر في الهيئات التعليمية برجالها ونسائها وبمعلمي الصف الأول وحتى أساتذة الدراسات العليا مطلبٌ آني، مثلما هو ملحٌ -كذلك- إيجاد هيئة للمقررات والتقويم والاعتماد مستقلة عن وزارتي التربية والتعليم العالي وترتبط مباشرةً بمجلس الوزراء، وتفرغ الوزارتان لمهامهما الفنية المباشرة، وتعطى الجامعات استقلالاً كاملاً، ويسند للهيئة اعتماد مفردات المقررات للتعليم العام ويلغى تأليف الكتب الدراسية، مقابل الاستعانة بكل وسائط المعلومات (ومن بينها الكتب المرجعية وشبكات الاتصال) لتقديم تعليم نوعي متميز..! (4) ** رغم الخدمات الطبية البائسة المتاحة للمواطن العادي -الذي لا يمتلك أكثر من بطاقة هُويته- فإن وزارة الصحة تعاقب الطبيب، وتُغرِّم المستوصف، وتغيِّر المدير، ولا شأن لنا بمدى فاعلية وشموليّة هذه الإجراءات، إذ الأهم أن وزارة التربية، وكذا التعليم العالي تنتهي علاقتها بالمعلّم أو الأستاذ بعد دخوله القاعة الدراسية؛ فلن يُغرَّم إذا لم يُعلِّم، ولن يتضرر إذا تأخر بشخصه أو تغيَّب بمدركاته، وسيُكتفى بنقله من صف إلى آخر أو من مدرسة لسواها، أو على الأكثر من منطقةٍ إلى منطقة، وليس في هذا أكثر من تعميم النموذج السيء ليُمارس أخطاءَه بمنأىً عن دائرة الضوء..! ** آن أوان فرز المعلمين بكل جدية، وآن أوان تقويم المديرين والوكلاء بكل صرامة، وآن أوان إعادة النظر في المُوجِّهين ومديري التعليم ومشرفي الوِزارةِ ومسؤوليها، وآن أوان تعزيز المكتبات ومصادر التعلم والمعامل والمختبرات، وآن أوان نقل المباني المدرسية إلى وزارة الشؤون البلدية والقروية فهي المعضلة التي لا حلّ لها في وضع الوزارة الحالي والسابق ونخشى أن نقول: والمستقبل..! (5) ** ربما أعادتنا حكاية المباني والتجهيزات والوسائل إلى مناظرة تراثية أشار إليها الدكتور عبدالرحمن الشرقاوي في كتابه (أئمة الفقه التسعة): الجزء الثاني؛ فقد تناظر الإمام (ابن حزم) مع أحد الفقهاء فظهر عليه فقال الفقيه: (تعذرني فإن أكثر مطالعاتي كانت على سُرُج الحرس)، فرد ابنُ حزم: (وتعذرني فإن أكثر مطالعاتي كانت على منابر الذهب والفضة)، واحتدم الحوار فقال الفقيه: (أنا أعظم منك همة في العلم لأنك إنما طلبتَه وأنت معانٌ عليه فتسهر بمشكاة الذهب، وطلبته وأنا أسهر بقنديل السوق)، وحينها أجابه ابن حزم: (هذا الكلام عليك لا لك لأنك إنما طلبت العلم وأنت في هذه الحال رجاءَ تبديلها بمثل حالي، وأنا طلبتُه في حال ما تعلمه فلم أرج به إلا علوّ القدر في الدنيا والآخرة..)! (6) ** يتحرك الآخرون بجوارنا -وفيهم من هم أصغرُ منا حَولاً وأضأل طولاً- للإفادة من التجارب العالمية الناضجة في التعليم بحثاً عن مخارج من أنفاق الضعف والتخلف، ويسند رسم استراتيجية التعليم ومتابعة خططه إلى القيادات السياسية والاجتماعية بعيداً عن وصاية العوام والخائفين والمؤدلجين، ونقف نحن بين رفض واندفاع، وتخوين وتهوين، ورغبةٍ في الانطلاق وإصرار على الإخفاق، وسنظل في حوارٍ غير ذي شأن متى ما جعلنا الشارعَ ومنتدياته هو الحاكم والمتحكم، ومتى ما نأى المتخصصون عن المشكلات، ومتى ما بات المسؤول متردداً أو خائفاً أو خانعاً؛ فالتعليم أمانة، والمعرفة رسالة، والأمةُ في أزمةٍ حقيقية إذا تجاذبها المتطرفون يمنةً ويسرةً..! * القرار تخصص..! كلية اليمامة ** رغم الشد والشحن والتوتر الذي سبق وصحب وأعقب ندوة (أزمة الثقافة العربية) ومسرحية (وسطي بلا وسطية)، فقد نجحت كلية اليمامة في التبشير بمناخ إيجابي لحوار يأذن لكل ذي رأي أن يقول فيُسمع، ويستمع ولا يقْمع، وألا يزايد أحدٌ على أحد في دينه وانتمائه ووطنيته..! ** ومن معرض الكتاب قبل أشهر إلى أسبوع كلية اليمامة قبل أيام نقلةٌ مهمة كادت تكون متميزة لولا تجمعاتٌ مقصودة أشعلتْ بعض الجمر المنطفئ وحاولتْ استفزاز المحاضرين وبعض الحاضرين، وأثارتْ واستثارتْ، لكنها خطوةٌ ضمن خطوات على طريق طويلة..! ** اعتذر بعضُ الشباب - بكلِّ الصدق - عمَّا بدر من سلوكٍ مال إلى الحدَّة، وهذه شجاعة مقدرة، وكان التيار المقابل أقرب إلى الهدوء ساعياً إلى الفهم والتفاهم دون أن يرفع أحد منهم يداً، وبقي المطلوب مزيداً من هذه الندوات (التواجهية) كي يتجاوز المجتمعُ - بكل أطيافه وفئاته ومستوياته - مرحلة الاتهامات التي صنّفت فتجنّت وفرقت وأوجدت حواجز وقطيعة..! ** رووا أن (هتلر) كان يتحسس (مسدسه) إذا سمع كلمة (ثقافة)، ولا يزال بين بني أبينا من يحمل الرؤية ذاتَها، وإذا لا يُسعفُه عقله فليلوّح بعقاله..! ** قال أحدهم لصاحبكم: أطلب من أستاذكم (الغذامي) أن يتوب إلى الله، وأجابه: ومم يتوب؟ ليتك تدنو من هذا الرجل لتعرفه مصلِّياً، صائماً، قائماً، متهجداً، منفقاً، (ولا نزكي على الله أحداً)، فهذه قيوده وحدوده التي لن يتوب عنها، أما فكرهُ فحرٌ منطلق، ومن هنا تميز ومن هنا -كذلك- سنتميز..! * شكراً: كلية اليمامة..!
E:Mail: IBRTURKIA@Hotmail.com |
|
|
| |
|