| |
دعوة للإنصاف
|
|
انتعشت آمال السلام في المنطقة، ومع ذلك فإن الانجرار وراء التفاؤل والاستغراق فيه سيعني فقط عدم الإلمام الكافي بشؤون وشجون هذه المنطقة، والآن يتركز الاهتمام حول حالة التهدئة الهشة في فلسطين باعتبارها إنجازاً معقولاً بالنظر إلى الظروف السائدة، ومردّ ذلك أن هذه الحالة تعقب المذابح الإسرائيلية المتتابعة والاعتداءات التي لا تتوقف على الفلسطينيين، وعلى رغم الظلم الواقع عليهم فإنهم ينظرون بجدّ إلى ما يمكّنهم من استعادة قدر من الاستقرار. ولأن الكثير من أوضاع المنطقة يتقرّر خارجها، فقد كان من الصائب مخاطبة الأطراف الخارجية وحثها على لعب الدور المفروض أن تؤديه، وخصوصاً الدول الكبرى. وهكذا جاءت دعوة المملكة للولايات المتحدة لتحمل مسؤولياتها باعتبارها الدولة العظمى الوحيدة في عالم اليوم للاضطلاع بدور حاسم من أجل التسوية، غير أن الدور الأمريكي لكي يفعل ذلك فإنه مطالب بإظهار قدر من الإنصاف، وهذا ما طالبت به المملكة أيضاً. وحقيقة الأمر أن غياب الإنصاف هو الذي عمل على تعقيد المشكلات القائمة، وخصوصاً المشكلة الفلسطينية، وفيما يبدي الفلسطينيون استعداداً في كل مرة للتسوية فإن إسرائيل مدعومة بالدولة العظمى تجعل من هذه التسوية أمراً بعيد المنال من خلال تجاهل الحقوق الفلسطينية في إقامة الدولة واستعادة أراضيهم وتجاهل حقهم في العودة، ومن دون ذلك تتحول التسوية إلى مسخ مشوّه يظهر فقط الأطماع الإسرائيلية وليس إنجازاً يستجيب للحقوق الفلسطينية. ومع التعثر في السلام فإن البدائل هي حرب شعواء، تتواتر معاركها بشكل يومي على أرض فلسطين التي يتصرف أبناؤها بشكل تلقائي لرفض الاحتلال وأساليبه القمعية ومحاولته الدائمة حرمانهم من حقوقهم والحيلولة دون تواصلهم وتقطيع أوصال أراضيهم ومصادرتها حتى يصعب تبيُّن أي أثر لأرض يمكن أن تُقام عليها دولة فلسطينية. إن الإنصاف الذي تطالب به المملكة والمنطقة بشكل عام هو الذي يمكن أن تمارسه الدول الكبرى، ومنها الولايات المتحدة، لوقف هذا العبث بحقوق ومقدرات الشعب الفلسطيني، وفي غياب الإنصاف فإن سياسة الغاب هي التي تسود، وهذا بالضبط ما تفعله إسرائيل، فهي لا تضيع وقتاً وتستغل حالة التراخي على الساحة الدولية تجاه جرائمها وتمضي قدماً في ترسيخ وقائع على الأرض يستحيل معها إقامة السلام المنشود، ومن ذلك التوسع في الاستيطان وبناء المنشآت التي تبدو نهائية مثل السور العازل. ومن أجل مصلحة الجميع بما في ذلك الولايات المتحدة فإن منطقة آمنة يمكن أن تفيد العالم ككل، فالولايات المتحدة على وجه الخصوص تعاني كثيراً من آثار هذا الانحياز الأعمى لدولة ظالمة هي إسرائيل، وبإمكان واشنطن لجم هذه العدوانية الإسرائيلية وتحجيم عدوانيتها وجموحها وتعطُّشها للدماء العربية والحد من مطامعها وأطماعها ووضعها في طريق التسوية الصحيح، وستنال بذلك الوضع الملائم لدولة عظمى، ومن شأن فعل كهذا أن يحقّق مصالحها في التواصل والتعامل مع الآخرين بالطريقة المثلى التي ستنعكس خيراً على الجميع.
|
|
|
| |
|