| |
مركاز هذا الشارع!! حسين علي حسين
|
|
عندما أخذت (كومار) من ناحية شارع متخصص في بيع الأطباق اللاقطة والرسيفرات، طلب مني أن أسير وأخذ يوجهني، اجتزنا شارعاً وشارعاً، طلب مني الوقوف ودخل عمارة صغيرة في حي مظلم، خرج من العمارة محمَّلاً بشنطة العدّة التي تضم كل ما يحتاجه لتركيب طبق لاقط، قبل ذلك كنَّا قد أخذنا الطبق من المحل المفتوح في هذا الشارع الأطباق وقناة محددة لا غبار عليهما، تباع الأطباق ورسيفر القناة بدون قيود. قال لي (كومار) هيا، فشرعت بالسير، وعند منعطف آخر طلب مني الانحراف حتى توقفنا عند عمارة أخرى تحتها حلاق وحلواني، خرج منها ومعه الرسيفر، ولم أسأل (كومار) لماذا لم يأخذ الرسيفر من العمارة السابقة؟! لكن هذه المسيرة اللولبية ذكرتني بما أراه في الأفلام من عمليات مطاردة، وكر وفر بين رجال الأمن والخارجين على قانونهم. قال لي (كومار) بعد أن ارتاح بجانبي وربط الحزام: - فيه حرامي.. سرق أنا!! * كيف؟ - كان مثلك، أخذني من هناك، ومعنا الدش، والرسيفر وشنطة العدة, وتلفزيوني الصغير!! * فين؟ قال .. وظِل ابتسامة كان يتراقص على وجهي في ظلام الطريق.. - في الواحة.. هناك في طريق كلش ظلام.. أوقف الحرامي سيارته، استعار جوالي مدعياً أن جواله والمفتاح في الداخل، وحالما شرع في إجراء المكالمة طلب مني بلطف أن أنزل استعداداً لإنزال شنطي والدش، وبينما يجري المكالمة وحالما نزلت هرب.. أخذ جوالي وكل شيء.. كل شيء! * زادت ضحكتي.. وتساءلت: - طيب أنت ليش ما جريت وراه؟ * صدقني صديق.. كان ولد سعودي متين ونظيف.. ايش يبغى بجوال أنا.. أيش بشنطة أنا..! ولولا أنني أعرف (كومار) منذ سنوات، وكلما عنّ لي أمر من أمور الأطباق اللاقطة، ذهبت إليه لآخذه، لولا ذلك، ربما شككت في الأمر، وقلت إنه يروي حكاية لاستدرار العطف، وربما طمعاً في بعض النقود، لكنه (كومار)... كان أبياً! قلت له: - كومار يمكن حرامي سرق إنت عشان يشتغل في هذا الشارع وبهذه المهنة؟ * هذا الشارع صديق.. صار كثير.. كثير.. يعرف أنت ولا لا! قلت له إنني أعرف.. لم يزد على القول. - خلاص.. مع السلامة! عندما ودعت (كومار) تألمت لحالنا، وهي حال تشبه الشخص الذي يمشي بملابسه الداخلية، وسط الشارع، كل الناس تراه، إلا هو لا يرى نفسه، وإلا فإن الأطباق اللاقطة والرسيفرات التي تلقط كل ما في الدنيا، من المشاهد الحلال والمشاهد الحرام، ومن يريد الحلال أو الحرام، لن تمنعه أي قوة من تحقيق رغبته، سواء من خلال الكمبيوتر أم من خلال الأطباق اللاقطة التي تحتوي على خاصية كشف الشفرة أو حتى الكروت التي تتيح لمقتنيها الدخول على أي قناة، إن من يحارب هذه الأشياء كمن يحرث في (التيه)، وبدلاً من ملاحقة من يركِّب طبقاً لاقطاً، علينا نشر الوعي الصحي من خلال وسائل إعلامنا، وهي كثيرة ومتعددة، إما أن نقسر الناس على رؤية محطة فضائية معينة فهو ظلم للناس وظلم للقنوات الأخرى وأكثرها سعودية، فالواضح لكل ذي عينين أن لا أحد أصبح يبيع الأطباق علناً، كما لا أحد ليس لديه طبق لاقط في منزله وهو يحركه كما يشاء، ففي النهاية من يحمل قربة مخرومة سوف تصب على رأسه، وسيأتي عليه وقت إما يعمد خلاله لرتق القربة وإما يرمي بها في مقلب النفايات، وكل ذلك يتم بالوعي الحضاري بحق الإنسان في أن يرى ويسمع ما يحب! إنني أسأل سؤالاً واحداً.. هل الأطباق اللاقطة ممنوعة؟ هل من يركبها ممنوع؟ إذا كان ذلك كذلك فعلينا إغلاق شوارع بيعها كلها، وإدخال كيبل لكل بيت لا يحتوي إلا على قنواتنا المحلية وقناة المجد... وبذلك ندخل في الحلقة المفرغة التي ستوصلنا عاجلاً أو آجلاً إلى ما وصل إليه الإعلام في الاتحاد السوفيتي سابقاً والعراق وغيرها من الدول التي كانت تصرف نصف ميزانيتها للحيلولة دون وصل موجة إذاعية أو محطة تلفزيونية أجنبية عبر الأقمار الصناعية أو عبر الأثير! كومار.. سُرِق جواله القديم وعدّته، ودشّه ورسيفر المحل، أما أنا فإن وقتي يسرق دائماً إذا نويت إصلاح لاقط ينقل لي المعرفة والثقافة والفن والأدب! متى نعرف أن كل شيء حلاله حلال وحرامه حرام.. وإن كل مستخدم أو كل أسرة مسؤولة عما تراه، ونحن كذلك، ولكن بودّ ومحبة ورويّة.
فاكس 2054137
|
|
|
| |
|