Al Jazirah NewsPaper Tuesday  07/11/2006G Issue 12458الرأيالثلاثاء 16 شوال 1427 هـ  07 نوفمبر2006 م   العدد  12458
رأي الجزيرة
الصفحة الرئيسية

الأولى

محليــات

الاقتصادية

الريـاضيـة

مقـالات

مزاين الإبل

دوليات

متابعة

منوعـات

القوى العاملة

شعر

الرأي

عزيزتـي الجزيرة

مدارات شعبية

زمان الجزيرة

الأخيــرة

منهج المملكة في ماضيه وحاضره
بقلم: د. حمد بن محمد الفريان

مما لا شك فيه أن الأمة الإسلامية، وفي مقدمتها الأمة العربية، قد انتابها حالة من الركود، وتقهقرت إلى الوراء خلال فترات طويلة من تاريخها المديد؛ بسبب عوامل متعددة ومختلفة داخلية وخارجية.. يظهر هذا بجلاء من استقراء تاريخها منذ فجر الإسلام إلى يومنا الحاضر. ونتيجة لهذا الركود والجمود والتقهقر والجهل اختلط عليها الأمر، وانحرفت بها السبل، وسادت فيها أنواع من الخرافات، ونال العقيدة ما نالها من وهن وشكوك وشبهات وأضاليل، ودلف إلى عرصاتها وساحاتها نِحَلٌ ومذاهب وأيديولوجيات مختلفة ساهمت في نكساتها وعمقت ويلاتها، وعاشت على مر العصور أنواعاً من المصائب والكوارث المفجعة. ومن المعلوم لكل باحث أن الشرق العربي كان قدره أن تلتقي فيه التيارات الفكرية منذ عصور التاريخ الأولى، وهو في هذه الأيام يتعرض لعواصف فكرية لم يسبق لها مثيل في تاريخه الطويل، وهذا الشرق هو الذي كان حيناً من الدهر حاملاً مشعل الحضارة والنور للعالم أجمع، ثم عدت عليه عوادي الاستعمار بصنوفه وأشكاله فتركته متخلفاً تنتابه المِحَن والخطوب بين حين وآخر.
وحينما بدأ يفيق من سباته وجد أمم الأرض وشعوبها المتحضرة قد سبقته على مدارج الحضارة والتقدم، ووجد المسافة بينه وبينها واسعة وكبيرة.. من هنا أحسَّ أنه لا بد من معجزة لكي يلحق بتلك الأمم والشعوب. ومما لا شك فيه أن مثل هذا الجو المتوافر المعتم يضطرب فيه التفكير وتحتجب فيه حقائق الأمور في كثير من الأحيان. وفي خضم الارتباك وضباب الأوهام ربما يصبح التطرف بضاعة رائجة، وتندفع الجماهير باحثة عن كل جديد برّاق دون أن تكلف نفسها عناء التمييز بين الماء والسراب، شأنها في ذلك شأن المريض الذي يشتد عليه المرض في غيبة من العقيدة الصحيحة السليمة فيتشبث بأهداب الحياة ويَقْبل تجربة كل دواء ولو كان مما لا يستسيغه العقل ويرفضه المعتقد السليم الصحيح.
وقد انقسم دعاة الإصلاح في العالم العربي والإسلامي إلى ثلاثة أقسام: قسم يرى نبذ كل قديم وطي صفحات الماضي ظناً من هؤلاء أن هذا المنهج هو البلسم الشافي من كل تخلف والسر الكامن للوصول بسرعة إلى ركب الحضارة والتقدم، وأن هذا المنهج يسمح بقطع المسافة بسرعة ليتم اللحاق بالشعوب والأمم التي تطلق على نفسها الشعوب والأمم الحية. ومن المعلوم أن من أبرز ما يميز قيم الماضي هو ارتباطها بالدين، فهم يتحللون من كل دين وبصفة خاصة الدين الإسلامي. أما الفريق الثاني فهو يرى نبذ كل جديد مهما كان نوعه خالف تعاليم شريعة الإسلام أو لم يخالفها، ويُحَمِّلُونَ الجديد وِزر التخلف الذي يعاني منه المشرق العربي والعالم الإسلامي عامة. وبين هذين الفريقين يقف فريق ثالث معتدل يرى أن المستقبل ليس إلا امتداداً للماضي، وأن الشجرة لا يمكن أن تثمر في الهواء إلا بقدر ما تضرب جذورها في باطن الأرض، وأن الأفكار والنظريات الاجتماعية - شأنها شأن الحيوان والنبات - لا يمكن أن تعيش إلا في بيئة مواتية، وأن ما يصلح لمجتمع معين لا يصلح بالضرورة لمجتمع آخر.. آخذة هذه الفئة في اعتبارها أن فَقْد الأصالة والاندفاع في التقليد الأعمى هو من أخطر ما تُبتلى به الشعوب وتشقى به الأمم. وكم من شعوب انقرضت وطواها التاريخ، وكم من أمم بادت واندثرت؛ لأنها أغفلت هذه الحقيقة البسيطة؛ لذا فهم يرون أنه يجب على كل مصلح أن يقوم بإصلاحه على ضوء من الماضي البعيد والقريب والحاضر المعاش، وأن أبرز ما يميز الشرق العربي والإسلامي الرسالات السماوية؛ فلقد اختص الله هذه المنطقة دون غيرها برسالاته، فكان قدرها أن تحمل إلى شعوب الأرض وأمم المعمورة أجمع رسالة للهدى والإيمان والروح والبصيرة وسعادة البشرية.. وهذه حقيقة يقينية ثابتة في تجاهلها يكمن الدمار. وإذا كان أدعياء العلم والحضارة والتقدم يزعمون أن الدين قيد على حرية الفكر وعقبة في سبيل التحضر فإنهم ينطلقون في ذلك مما تعلموه ولُقِّنوه وعَلُقَ في أذهانهم وأُشْرِبُوه من مفتريات وتحريفات ورثوها عن ملل ونِحَل مختلفة تغايرها حقيقة الإسلام شكلاً وموضوعاً. وبإمكان أي باحث منصف أن يرفض هذا الزعم بالنسبة للدين الإسلامي لعدة أسباب.. من هذه الأسباب قرع الحجة بالحجة في كل قضية على التفصيل، وهذا ما لا يتسع له هذا المقام، وهذا إحدى الطرق الموصلة للصواب.
أما الطريق الثاني فهو طريق عملي، وهو أن نعيش في دراستنا وتأملنا حقيقة القرون المفضلة، ونقرأ بإمعان ودقة ما كان عليه حال القوم في عهد النبوة وعهد الخلفاء الراشدين وبخاصة دولة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعنهم أجمعين؛ فتلك فترة من أروع فترات التاريخ العربي والإسلامي. وهناك فترة أخرى قال عنها كبار المفكرين وفطاحل الباحثين إنها قديمة وحديثة معاً؛ فهي قديمة لأنها فترة اتباع وليست فترة ابتداع، سائرة على النهج الإسلامي في المعتقد الصحيح السليم الخالي من الشرك والترهات والأباطيل والشكوك والشبهات، مطبقة أحكام الشريعة نصاً وروحاً.. وهي حديثة لأنها تعيش بيئتها الحاضرة وعصرها الحاضر بكل معطياته ومستجداته لأن الإيمان بالله وبكتبه وبرسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره وجميع شرائع الإسلام علماً وعملاً كل ذلك لا يتعارض بحال من الأحوال مع حرية التفكير وحرية العمل للمؤمن.. هذه الفترة التي يقصدها الباحثون تمثل حقيقة معاصرة هي ملء السمع والبصر.. هذه الحقيقة هي (المملكة العربية السعودية) في الواقع المعاش وفيما سبق من أدوار للدولة السعودية الأولى والثانية؛ إذ يتجلى لمن تعمق في دراسة منهجهاً وفَقُهَ حقيقتها بتجرد وإنصاف أن الثقافة الإسلامية هي من أصلح الأسس للحكم الناجح المتميز في العصر الحديث، وعلى هذا فليس من الحكمة في شيء أن تفتتن شعوب المنطقة بما لدى الغير غرباً أو شرقاً، وتبتر ما بينها وبين ماضيها؛ ذلك أن تراث الأمة الإسلامية هو أغنى تراث عرفته البشرية في هذا المجال؛ لأنه حصيلة ما يزيد على 14 قرناً من الزمان، وكثير من النظريات الحديثة الوافدة ما هي إلا صياغات جديدة لأصول نادى بها أسلافهم، وقد فشلت في صياغاتها الأولى كما هي فاشلة في صياغاتها الحالية على الرغم مما تتحلى به من بريق ومن مظاهر خادعة. من هنا نقول إن التجربة الفريدة التي تمثلها المملكة العربية السعودية في عصرنا الحاضر تعتبر مثالاً حياً صالحاً يمكن لأمم العالم أن تقتبس منه؛ لأن هذه التجربة الفذة قد استطاعت في وقت قصير في ظل العقيدة الصحيحة والشريعة السمحة أن تنشئ إدارة واعية متفتحة مرنة ليست منغلقة وليست منزلقة.. هذه الإدارة المتميزة التي وظفت علاقاتها الحسنة وإمكاناتها لصالح الأمة العربية والإسلامية يشهد لذلك وثيقة الطائف التي حل الصلح بموجبها بين أهل بلد دامت حروبهم الداخلية أكثر من خمس عشرة سنة، وكما حصل بالنسبة لوثيقة مكة المكرمة فيما يخص ما حصل ويحصل للعراقيين هذه الإدارة التي استطاعت أن تنشئ الجامعات المتعددة والمختلفة والمعاهد المتخصصة التي تضاهي أو تفوق نظيراتها في الدول الأخرى، واستطاعت أن تبني الطرق والموانئ والمطارات وسكك الحديد وتقيم الجسور وتشق الجبال وتحفر الأنفاق وتبني العديد من السدود وتشيد البنايات التاريخية المتميزة قوةً وجمالاً واستيعاباً كما هو حاصل في توسعة وعمارة الحرمين الشريفين، وتنظم المشاعر المقدسة وتستوعب بخدماتها الملايين من البشر حجاجاً ومعتمرين وزواراً، وتعمر المساجد والمدارس والمراكز الإسلامية في أنحاء العالم كما هي في الداخل، وتقيم المصانع وتنشئ ما يزيد على ثلاثين محطة تحلية للمياه المالحة، وتقيم أعظم مجمع لطباعة المصحف الشريف، وتضرب أروع الأمثلة في الحفاظ على الثوابت مع الأخذ بأفضل أسباب التطور المتزن الفعّال يبرهن على أصالتها وسعة أفقها وتوازنها نظام الحكم وما تفرع عنه من ترسيخ لنظام البيعة الإسلامية بكل اعتزاز وشموخ ونظام الشورى والأنظمة القضائية وغيرها وجعل شريعة الإسلام حاكمة على نظمها وليست محكومة بها، يضاف إلى ذلك مشاركتها بفعالية في تمويل مشاريع التنمية في العالم الثالث وفي العالم العربي والإسلامي بخاصة، مباشرة ومن خلال مؤسسات المؤتمر الإسلامي وغيرها وفي مقدمتها البنك الإسلامي الناجح بكل المقاييس. هذه المملكة التي أخذت على عاتقها نشر لواء العدل وتحكيم الشريعة في ربوع المملكة، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتحتضن رابطة العالم الإسلامي والمؤتمر الإسلامي والجامعة الإسلامية ومقرات وفروعا أخرى لمنظمات عالمية مرموقة، وتنشئ المستشفيات وتشيد المدن وتبني قوتها الذاتية المسلحة برية وبحرية وجوية، وتدرس علوم العصر مدنية وعسكرية، وتقيم المختبرات وتستخدم العقول الإلكترونية وتستفيد بمهارة من الأجهزة المتقدمة في شتى مجالات الاستخدام، وترسي دعائم الصناعات الأساسية وفي مقدمتها البتروكيماويات على مختلف أنواعها، وتعمم خدمات الإسكان والضمان الاجتماعي والكهرباء والماء والهاتف والبرق والبريد، وتوجد صناديق التنمية العقارية والصناعية والزراعية وبنوك التسليف. وأوجدت المؤسسات المتخصصة كمؤسسة الخطوط الجوية ومؤسسة الصوامع والغلال ومؤسسة تحلية المياه المالحة ومؤسسة التأمينات الاجتماعية.. الخ.
وما أشير إليه ما هو إلا ضرب مثل وليس المقصود به الحصر.
هذه المملكة التي استطاعت أن تصبح مناراً للعلوم الشرعية وللعلوم العصرية مما لا يتعارض مع تعاليم ديننا الحنيف هي بحق دولة عملاقة في منهجها ومُشرِّفة في وسطيتها واعتدالها، ومن حق العالم ان يعرف عنها الكثير؛ إذ هي مدرسة ذات شخصية مستقلة استطاعت أن تضع نفسها في مصاف أفضل الدول استقراراً وأمناً ونمواً وازدهاراً، واستطاعت أن تستضيف في جامعاتها ومعاهدها العدد الكثير من أبناء الأمة العربية والإسلامية والدول الصديقة لينهلوا من علومها.. وما من بلد عربي وإسلامي وصديق إلا كانت المملكة العربية السعودية نعم العون والسند والظهير له في أوقات الشدائد والمحن، فبفضل من الله ثم بفضل حنكتها ودرايتها وحُسن نيتها احتلت بكفاءة مكاناً بارزاً بين دول العالم في المجموعة العربية وفي المجموعة الإسلامية والمجموعة البترولية وفي الهيئات والمنظمات الدولية.. إنها البلد الذي قال عنه أكثر من زعيم حينما زارها (لقد جئت لأتعلم منها الحكمة وبُعد النظر وسداد الرأي).. هذا البلد الذي استطاع أن يضع بين يدي العالم أسلوب الحكم المباشر وأسلوب القضاء المباشر، ونجح في ذلك، وأصبح مضرب المثل. ومن المعلوم أن المحبة والولاء والإخلاص والتلاحم بين الراعي والرعية والصدق في اللهجة وبذل النصيحة والشورى العملية القائمة بالفعل بين هذه الأمة حكومة وشعباً لم تأتِ بمحض الصدفة ولا جاءت من فراغ، وإنما نمت وترعرعت في نفوس ملأها الإيمان بالله والثقة في قادتها والطمأنينة والأمن على النفس والمال والنسل والعقل والدين في ظل أحكام الشريعة السمحة.. وإن اتفاق الكلمة وتقديم المصلحة العامة وخدمة الأهداف السامية بإخلاص هي سمات بارزة لكل فرد من أفراد هذا الشعب المخلص الوفي، وهي عنوان فخاره ورمز اعتزازه.. لقد رضعوا ذلك من ثدي أمهاتهم واختلطت به دماؤهم وهم واثقون كل الثقة في مستقبلهم ما داموا على المحجة البيضاء التي تركها فيهم رسول الهدى صلوات الله وسلامه عليه (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله وسنتي)، وهم واثقون من وعد الله (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا (نسوق هذا المثل الحي البارز للعيان بفخار وعزة وثقة إلى دول العالم وشعوبه أجمع، ونقول لهم: إن الفرصة متاحة للاستفادة من هذه التجربة العظيمة الناجحة والفعالة.
ومن المعلوم أن هذا النهج المستقيم المتميز هو في جوهره امتداد طبيعي للنهج الموفق الذي سار عليه المؤسس لهذا الكيان الملك عبدالعزيز - رحمه الله - الذي شيد بناءه بعد أن أرسى قواعده وثبت أركانه ومن ثم سار عليه ولاة الأمر من أبنائه خلفاً عن سلف..
وما زال وسيستمر بحول الله وقوته يزداد تألقاً ورسوخاً وثباتاً على مر العصور.
نبني كما كانت أوائلنا تبني
ونصنع مثل ما صنعوا (أو فوق ما صنعوا)
حفظ الله لهذه الأمة الكريمة أمنها واستقرارها وسيادتها، وحفظ الله ولاة أمرها من كل مكروه، وأمدهم بعونه وتوفيقه ونصره وتأييده.. إنه على كل شيء قدير.



نادي السيارات

موقع الرياضية

موقع الأقتصادية

كتاب و أقلام

كاريكاتير

مركز النتائج

المعقب الإلكتروني

| الصفحة الرئيسية|| رجوع||||حفظ|| طباعة|

توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية إلىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية إلى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved