حقيقة عنّت لي ظاهرة قرأتها عبر صفحات (الجزيرة) منذ سنوات ولا زلت أفاجأ بها بين الفينة والأخرى عبر صحفنا ومجلاتنا السعودية.. هذه الظاهرة تجذب العديد من القراء وتوقعهم في شراكها وبلا هوادة.. وليستسلم حينها لذلك الكاتب العاشق للكتابة على الورق وهو يتفنّن في عرض شجونه العاطفية أو لنقل الغرامية.. والقارئ المسكين مكبل بقيود هذه الظاهرة والتي محال أن تفك قيوده إلا أن ينجرف هو الآخر ويعرض مشكلته.. عبر زاوية (أبواب المشاكل) نعم هي ما أعنيه تلك الزاوية والتي يعرض فيه القارئ مشكلته العاطفية، إذ هي مزيج من المشاكل العاطفية الأسرية. فهذه فتاة هجرها حبيبها، وهذا شاب لا يستطيع تحمل تكاليف الزواج، وهذه فتاة تهوى رجلاً في عمر والدها، إلى أن نصل إلى زوج يعاني من إهمال زوجته وانصرافها عنه والعكس..
أدرك أن الحياة لا تخلو من المشاكل البتّة.. غير أني قصدت أن أثير هذا الموضوع المهم لمعالجة مثل هذه القضايا العاطفية واستهواء القراء لمطالعتها.. لا يختلف اثنان بالكاد أنه ما من فرد إلا وأحاطت به المشاكل وكالاسار محاط بنار لهيبها.. ومكبل بقيودها وربما هو عاجز عن حلها فماذا يفعل ليس إلا أن تكتب يداه المثقلتان بقيود هذه المشكلة وبالبنط العريض.. (ما الحل!!؟؟) نعم مشاكل كثيرة اعتدنا مطالعتها في أبواب (القلوب) ولا زلت أتساءل وفي قاع مخيلتي سؤال قد يعترك في جماجمكم أنتم!!.. ترى ما الذي يجعل صاحب المشكلة يقدم على عرض مشكلته أمام الآخرين وإن كان يكتب باسم مستعار؟ أفلا يطلعنا ذلك إلى أن هنالك حلقة وصل مفقودة فيما بين صاحب هذه المشكلة ومن حوله.. الأمر الذي جعل الحوار أو المصارحة فيما بينه وبين من حوله مفقوداً البتّة!!
من يدري لقد بات البعض منا يفتقد إلى تلك الأريحية فيما بيننا وبالذات فيما بين الأب وابنه، والزوج وزوجته، وكل من يسكن تحت سقف واحد.. بالله عليكم.. أتراه إذا وجد من يبوح له بأسراره ويقف بجانبه ناصحاً مرشداً صادقاً في نصيحته أن يشمّر عن ساعديه ويسطر هذه الهموم عبر رسالة إلى زاوية (مشكلة وحل)!؟ لا أعتقد ذلك البتّة بل سيلجم قلمه.. وسيبوح بما يريد لمن فتح له قلبه.. نعم هذا هو صاحب المشكلة.. سواد الدنيا أمام ناظريه هو كبابٍ مغلقٍ قد يقول قائل: (إن استشارة صاحبنا من شخص قريب له قد يخالط الحلول بعض الميول والنزعات) وهنا ِلمَ لا يلجأ إلى استشارة بعض الخبراء والمختصين في مثل هذه المشاكل الاجتماعية، وقد قيل (ما خاب من استشار) وكما قال الشاعر:
شاور سواك إذا ما نبتك نائبة |
يوماً وإن كنت من أهل المشورات |
فالعين تلقى كفاحاً ما نأى ودنا |
فمن يدري قد يسعف هؤلاء الخبراء صاحب المشكلة بالحل إذ لا ميول أو نزعات قد يُحتَج بها هنا.. عموماً إني هنا لا أعارض نشر مثل هذه الأبواب في بعض الصحف بحد ذاتها.. غير أن الهدف من مقالتي ما الذي دفعه إلى ذلك.. وما السبب!؟ أدرك أن حِمل الحياة ثقيل ولكن لسائل أن يسأل ما السر في جاذبية المشاكل العاطفية للكثير من القراء.. أنقول إن هناك قراء فضوليين.. أم مراهقين أم ماذا؟؟ ولم لا نقل أن فقدان الحب الحقيقي هو السر في هذه الجاذبية.. وكثيراً ما تضحكني بعض التعليقات ممن أحاورهم في ذلك الموضوع فتكون إجابتهم: (أن الحب هذه الأيام نهايته صفعة خيانة)، وعندها أقول: ساعاتنا في الحب لها أجنحة ولها في الفراق مخالب.. لذا فلا عجب أن نسمع صراخ أصحاب المشاكل وأنينهم حتى على صفحات الورق!!
وعن هذه الخيانة أقول بقول الشاعر:
أخْلِق بمن رضي الخيانة شيمة |
أن لا يُرى إلا صريعَ حوادث |
ما زالت الأرزاء تُلحق بُؤسها |
حقيقة ضغوط الحياة حولنا هي خليط من الأحداث المؤلمة والمفرحة في نفس الوقت.. والشخص الذي يستطيع أن يتكيف مع مثل هذه الأحداث ويتعامل مع كل لون منها بما يناسبه هو من سيخرج من عنق الزجاجة كما يقولون!! نحن كثيراً ما تواجهنا لحظات عصيبة فيها الهمّ والغمّ قد يفجّر جماجمنا وينهش من عقولنا ويبدد تفكيرنا ولكن من منا حينما أحس بذلك استسلم لكتاب الله وذكر الله وأخذ يقرأ منه.
حقاً هذا هو العلاج الحقيقي.. وهو من سيعيد حبنا الحقيقي المفقود!! الدنيا يا أحبه لم تصفُ لأحد.. إن مشكلة البعض منا أنه يفسر السعادة في مضنون تفكيره بأن لا يكون مهموماً وبلا مشاكل.. أبداً أيها الأحبة إنما السعادة تكون في الإيمان والتقى أولاً، ألم تسمع بقول الشاعر:
إذا كنت تسعى للسعادة فاستقم |
تنل المراد وتغد أول من سما |
وثانياً: في أن يكون الفرد قادراً على التعامل والتكيف مع مشكلاته ومع الضغوط والتي تحاك من حوله وليثق الشخص بنفسه وليتوكّل على الله أولاً وآخراً ويحصّن نفسه بالأذكار والأدعية.. ولن تحيط به المشاكل أو تساوره الهموم بإذن الله تعالى. وهذه هي السعادة إنما هي كرة نركلها بأقدامنا عندما تقترب منا ونعدو خلفها عندما تبتعد عنا.
وإذا ما استقرأنا السر في جاذبية مثل هذه الأبواب (أبواب المشاكل العاطفية) لوجدنا أن الكثير من الناس لا يقدرون الحب بمفهومه.. فما أن تحصل الفُرقة وينشب الخلاف بين الطرفين إلا ويبدأ (بنشر غسيله) كما يقولون، وهنا مكمن الخطأ غير أن لي وجهة نظر خاصة تقضي بعدم نشر المشاكل الخاصة وتعريتها أمام الآخرين لأنها بحق تظل مشكلات خاصة.. وهناك من يرى السر في جاذبية مثل هذه الأبواب للقراء هو عشق البشر لكل ما هو جديد وغريب وأصبح حب الفضول ينمي هذه الظاهرة ويسقيها منذ أن ظهرت على الصفحات.. فهناك بعض القراء أستطيع أن أصفهم بأنهم قراء فضوليون مراهقون.. ومنهم من يحب التلذّذ بقراءة مثل هذه القصص والمشاكل العاطفية إذ (بعضهم) لا يقرأها للاستفادة وأخذ العبرة والحيطة والحذر بل لغريزة الفضول ولحب التشفي ونشر بعض المشاكل على الملأ في ظل فقدان الوازع الديني. ولمن يستبعد تدخل الخبراء والمتخصصين في حل هذه المشاكل.. فلأن الخبراء والمتخصصين لم يعيشوا التجربة.. ولا يُستبعد أيضاً أن تكون هذه المشاكل المطروحة على الصفحات من بناتِ أفكار أناس دَربُوا على الخيال.. وََسَبْكِ قصص خيالية ليكون على انتظار عنصر المفاجأة عبر رد الصحيفة!!والحقيقة أن استقراء الخبراء والمختصين يتناولون مثل هذه المواضيع من باب (أجعل من الموضوع مشكلة كبيرة.. فأنتج حلاً عشوائياً). ومن يدري فقد يكون هذا الحل نهاية للمشكلة والدخول إلى مشكلة أكبر ومن بوابة ضيقة جداً..!! وإذا ما رجعنا إلى ديننا الحنيف فنجد أنه أمرنا بستر مثل هذه المشاكل.. وفي السنة النبوية أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بألا ينشر المسلم أسراره أمام الملأ.
وهذا الشاعر يقول:
وما أنا بالخبّ الختور ولا الذي |
إذا استودع الأسرار يوماً أذاعها |
وأقول لمن يقرأ هذه السطور: إذا ضاقت بك السبل في حل معضلة أو مشكلة من المشاكل فالجأ إلى الله بالدعاء أن يفرجها لك!!.. ثم بعد ذلك الجأ لمن هو قريب إليك من أب حصيف أو أم أو أخ أو زوجة صالحة حكيمة.. فهم أقرب الناس إليك وهم من سيحفظ لك سرّك ومشكلتك من أن تشاع بين الناس..!! وما أخطر أن نرمي بكلماتنا التهميشية للأبناء المراهقين متى ما استقل كل فرد بذاته بأن لكل فرد طريقه الخاص.. عندما يعلنها الأب أو الأم للفرد المراهق أو المراهقة، فهنا مكمن الخطأ، فكثيراً ما نسمع بعبارة (المشكلة مشكلتك أنت - دبّر نفسك - تصرّف أنا لست مسؤولاً)، إنه لأمر في غاية الخطورة وهو ما يجعل صاحب المشكلة ينكفئ على نفسه ويصاب بإحباط تام. هذا إن لم يلجأ إلى أناس قد يصفوا لهم وصفة شيطانية قد تؤدي بهم إلى نهاية مطاف مأساوي قد يندم عليه الأبوان.. لذا حذار من تهميش مشاكل الأبناء وعدم السماع إليها أو تجاهلها!!
من وحي الضمير
في كثير من مشاكلنا العاطفية نغضي عن عيوبنا حتى يرى الواحد منا عيوب الآخرين ولا يرى عيبه وهنا العجب:
عجبت لمن يبكي على موت غيره |
دموعاً ولا يبكي على موته دماً |
وأعجب منذا أن يرى عيب غيره |
عظيماً وفي عينيه عن عيبه عمى |
aborakan8@hotmail.com |