| |
عراق ما بعد صدام
|
|
ستظل الحقبة الصدامية تتخذ مكانة بارزة في تاريخ العراق بكل ما احتوت عليه من أحداث جسام وحروب وانتهاكات لحقوق الإنسان وثورات وعمليات غزو واجتياح لدول الجوار، فهي على العموم فترة موصومة بسفك الدماء والقبور الجماعية والاغتيالات والاعتداءات على الأنفس. وليس عراق اليوم بأفضل حال من ذلك الموروث من صدام، فهو يعج بذات المظاهر وإن اختلفت الشخوص والأدوار، لكن العراقيين لا يزالون يموتون بالجملة مثلما هو الحال في السابق، وهذه المرة برصاص بعضهم البعض وبرصاص القوات القادمة من وراء البحار، وبرصاص مجهول اختار مطلقوه الإفادة من الفوضى الحادثة لتحقيق مآرب إقليمية ودولية وإجرامية وأحقاد شخصية، كما بات التعذيب في المعتقلات الأجنبية والمحلية إحدى سمات الفترة الراهنة، وربما الجديد أن الجثث لم تعد تدفن في المقابر الجماعية، بل صارت تترك في العراء حاملة آثار الحقد والتشفي، ناقلة رسائل إلى الأطراف المعنية. ومن ثم فمن الصعب القول إن حكم الإعدام الذي صدر الأحد ضد صدام حسين ربما يؤشر لفترة جديدة مشرقة في تاريخ العراق، فإرهاصات الماضي ما زالت ماثلة في الحاضر بكل عنفها وجبروتها، والأفدح أن الحاضر ربما يؤسس لفترة قادمة أشد عنفاً، فالعراق الموروث من صدام لم يذهب إلى أيدٍ ترعاه وتطبب جراحه، وإنما ظل الجرح مفتوحاً حيث آل إلى غير العراقيين، الذين راحوا يجربون مرئياتهم وأدواتهم من أجل تسخير العراق لخدمة مصالحهم، وبات الوجود الوطني، حتى في الحكم، مكبلاً بقيود الجيوش الجرارة التي تجثم على صدر العراق. ومع ذلك فإن إرادة عراقية لا بد أن تتشكَّل للتخلُّص من أحزان الماضي والحاضر، وقد تكون هناك مؤشرات للخروج من النفق المظلم، إلا أن الأمر يعتمد على العراقيين أنفسهم، وهم الذين انقادوا لمؤامرات خارجية نجحت في توسيع شقة الخلافات بينهم، إلى الدرجة التي صارت معها المعارك الطائفية تنافس عمليات القتلة المحترفين من الجماعات الإرهابية والقوات الأجنبية في عدد الضحايا. ومن المهم المبادرة بتحرُّك ما لرتق هذا الفتق في الجسد العراقي، وقد كانت وثيقة مكة المكرمة محاولة جادة في هذا الصدد، ويؤمل أن تحدث تأثيراتها باتجاه لمّ الشمل وإعادة اللحمة بين العراقيين، وذلك هو السبيل الأمثل للخروج من الأزمة الراهنة، فوجود جبهة عراقية موحَّدة وقوية من شأنها درء الأخطار المحدقة بالعراق وإحباط المؤامرات التي تستهدف وحدته، ويومها يمكن القول إن العراق يستشرف عهداً جديداً.
|
|
|
| |
|