| |
الحركة الثقافية اللبنانية.. بين الحصار والإبداع أحمد بن فهد الحمدان (*)
|
|
ما زالت الحركة الثقافية اللبنانية تواصل ريادتها على الصعيد العربي والدولي عبر مسيرة عطرة من الإبداع والتطوير، فلبنان هي عاصمة الحرف وبؤرة الابداع ورائدة في عالم المطبوعات خصوصاً وأن حركة النشر فيها قد بدأت مبكراً منذ عام 1610م حيث انشئت أول مطبعة وهي مطبعة دير مار انطونيوس قزحيا ليصاحبها تطور حركة النشر بشكل أسرع وأعظم. لبنان كانت وما زالت حلقة وصل بين الحضارات ورابطا متميزا يجمع بين ثقافات الشعوب العربية وغيرها، لذا انتشرت حكاية قديمة على مدار 60 عاماً تقول ان الكتاب يؤلف في مصر ويطبع في لبنان ويقرأ في العراق. ولكن الغريب في الأمر أننا لو تأملنا أي دولة في العالم سنجد أن هامش النشر فيها لا يتعدى 10% من الاقتصاد الوطني أما لبنان ذلك البلد الصغير في مساحته والمتعدد في أعراقه وطوائفه وثقافته فيمثل النشر نسبة 30% من خريطة الاقتصاد الوطني ليصبح من أهم مصادر الدخل القومي. والثقافة اللبنانية تواصل رصدها من خلال عطر خاص عبر ابداعات وعطاءات متوالية وأكبر دليل على ذلك أن معرض بيروت الدولي للكتاب ما زال يواصل العطاء المتجدد على مدار 50 عاماً بشكل دائم ومستمر ليعرض خلاله الناشرون على مختلف ثقافاتهم ومشاربهم وأعمالهم دون حسيب أو رقيب ليمثل معلماً ثقافياً بارزاً فيصبح مصدر اعجاب واشادة من المسؤولين والمثقفين والناشرين والقراء على حد سواء. معرض بيروت الدولي الذي يمثل تحفة ثقافية رائدة في سماء الابداع ما زال يواصل رصده أمام المثقفين عبر أطروحات بارزة للكثير من الأعمال الريادية سواء المحلية أو العربية أو الدولية اضافة إلى استضافته الكثير من الرواد والصفوة من أصحاب القلم والمبدعين، ولكن ومن خلال الأحداث الأخيرة التي مرت بها الشقيقة لبنان وما اقترفته الآلة العسكرية الإسرائيلية الهمجية من تدمير وتخريب للبنية التحتية في محاولة لإزالة الحجر والأثر فضربت المطابع وأصابت العشرات من دور النشر بأضرار بليغة وعطلت الكثير من الأمور المتعلقة بالبنية الثقافية على أمل تعطيل مسيرة الحرف وتشويه الهوية الثقافية وطمس معالم هذه الحركة التي تفيض اشعاعاً ونوراً على مسيرتنا الثقافية العربية. وبرغم ذلك صمدت حركة النشر وازدادت تألقاً في سماء لبنان تحت الحصار وقاومت الهمجية وواصلت عملها في حدود المتاح أمامها لتخرج من هذه المحنة أكثر صلابة وقوة. ان العدوان الإسرائيلي الهمجي على الشقيقة لبنان والذي استهدف شعباً بكامله قد فشل فشلاً ذريعاً ولم يحقق سوى الخيبة والحسرة والندم ولم يتمكن من كسر إرادة الشعب اللبناني أو وقف حركة النشر والناشرين لتواصل هذه الأمة دورها الإشعاعي في تصدير الثقافات والإبداعات إلى دول العالم كرسالة عملية عن صمودها واعتزازها بثقافتها وقيمها النبيلة. هذا الصمود والتحدي يعود إلى الدعم المتكامل الذي قدمه القادة العرب للبنان مادياً ومعنوياً وسياسياً وثقافياً عبر حلقات متواصلة في المحافل العربية والدولية وقد كان للمملكة العربية السعودية الدور الرائد والبارز في دعم لبنان عبر الكثير من القرارات التي أصدرتها قيادتنا الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- الذي تبنى قضية لبنان وجعلها قضية العرب والمسلمين ورسالتهم السامية النبيلة لتصبح قضية أمة وشعب فأسفرت هذه الجهود عن ايقاف الحرب وانسحاب إسرائيل. واليوم تواصل حكومتنا الرشيدة دعمها المادي والمعنوي من خلال أسطول المساعدات اليومية والمشاركة في الانفاق على البنية التحتية وغيرها من الأمور التي أصبحت وساماً على صدر كل سعودي ومصدر فخر واعتزاز بقيادته. وهنا من خلال جمعية الناشرين السعوديين نوجّه التحية إلى الناشرين اللبنانيين على صمودهم ومقاومتهم للاحتلال ومواصلتهم العمل من خلال ماكينات الطباعة رغم القصف والتدمير والتخريب ليقدموا للعالم نموذجاً متكاملاً من الريادة والابداع والتطوير في مسيرة الحرف.
(*)رئيس جمعية الناشرين السعوديين
|
|
|
| |
|