| |
رياض الفكر ندوة القرآن في الدراسات الاستشراقية سلمان بن محمد العُمري
|
|
المستشرقون طائفة من العلماء ينتمون إلى أجناس وألسنة وملل مختلفة، جمعهم العمل في ميدان الدراسات الشرقية، خاصة تلك التي تتناول اللغة العربية وآدابها، والإسلام وأصوله، والقرآن وعلومه، والسنة وهديها، وتخصص بعضهم في دراسة التاريخ الإسلامي، وبعضهم في اللغة والأدب وجاءت أعمالهم في ذلك متنوعة بين الترجمة والتحقيق والتأليف. والمستشرقون على فئتين: فئة منصفة للبحث العلمي، وهم يستحقون التقدير لما لهم من المآثر في نشر كثير من مخطوطات آداب اللغة العربية، والسنة وعلومها حيث التزموا الموضوعية والحياد وتحروا الدقة في دراساتهم ولعل أكثر هؤلاء ممن اشتغل بتحقيق التراث الأدبي واللغوي للعربية، ومن بحث منهم في شؤون الإسلام قلة -أي من هذا الصنف-، ومن هؤلاء مستشرق يهودي من أصل ألماني ولد سنة 1851م أتقن العبرية والعربية وبرز في ميدان الدراسات اللغوية السامية، وصاحب أحدث ترجمة لمعاني القرآن توفي سنة 1914م. وهو المستشرق الألماني (توماس كارلابل) الذي خص النبي محمدا صلى الله عليه وسلم بفصل كامل في كتابه (الأبطال) والذي قال فيه: (لقد أصبح من أكبر العار على كل متمدن في هذا العصر أن يصغي إلى القول بأن دين الإسلام كذب، وأن محمداً خداع مزور، فإن الرسالة التي أدّاها ذلك الرجل ما زالت السراج المنير لمئات الملايين من الناس أمثالنا خلقهم الله الذي خلقنا). وفي المقابل - وهم كثرة - مستشرقون ملأ الحقد نفوسهم فأعمى أبصارهم، وأصم أسماعهم وطعنوا في الدين الإسلامي وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي علوم الدين الإسلامي، فلم يروا في الإسلام شيئاً ذا شأن، ومن هؤلاء إبراهام جيجر - وهو مستشرق ألماني يهودي - قال: إن القرآن مأخوذ باللفظ أو المعنى من كتب اليهود في محاولة منه لإثبات نظريته بأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد اطلع على كتب اليهود بلغاتهم العبرية والآرامية بأنواعها المختلفة. ويرى المستشرق الفرنسي بلاشير هذا الرأي كذلك عندما يذكر في كتابه (قضية محمد) أن مما لفت انتباه المستشرقين هو هذا التشابه الحاصل بين هذا القصص القرآني وبين القصص اليهودي المسيحي، فقد كان التأثير المسيحي واضحا في السور المكية الأولى إذ كثيراً ما تكشف مقارنته بالنصوص غير الرسمية - كإنجيل الطفولة - في ذلك العهد عن شبه قوى. فيما تعدى الكذب إلى الوقاحة مستشرق آخر هو جوستاف لوبون في كتابه (حضارة العرب) حيث فسر نزول الوحي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم بمرض الصرع وهو لا يورد في ذلك حقيقة علمية أو تاريخية ولكنه يستنتج ذلك مما رواه أصحابه وعائشة - رضي الله عنها - منهم: (أنه كان إذا نزل عليه الوحي اعتراه احتقان فغطيط فغثيان) وأمثال هذا المستشرق كثيرون جداً. والغالب في أعمال المستشرقين تجاه القرآن الكريم ونصه وحقيقته وترجمته قد جاءت في الأغلب الأعم قاصرة ومغلوطة على الرغم من كثرتها، وأن مبعث ذلك راجع إلى أسباب: أولها: الحقد الدفين للإسلام. والثاني: اختلاف العقيدة وعدم الإحاطة باللغة العربية وبلاغتها. والثالث: عدم الإحاطة بالمفاهيم الإسلامية لمدلولات ألفاظ القرآن الكريم. وانطلاقا من جهود مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في خدمة القرآن الكريم وعلومه يأتي تنظيم المجمع للندوة الدولية (القرآن في الدراسات الاستشراقية) التي ينظمها المجمع في مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم التي سبقها ندوات ثلاث، حيث كانت الأولى عن (عناية المملكة بالقرآن الكريم وعلومه)، والثانية بعنوان:(ترجمة معاني القرآن الكريم تقويم للماضي وتخطيط للمستقبل) والثالثة بعنوان: (عناية المملكة بالسنة والسيرة النبوية). وأعود لما بدأت به الحديث عن المستشرقين وعنايتهم بدراسة القرآن الكريم واختلاف مناهجهم بين الإنصاف والإجحاف، فأقول: إن هذه الندوة تتفق مع أهداف المجمع وعنايته بالقرآن الكريم حفظاً، وطباعة ونشراً، والاهتمام بكل ما من شأنه القرآن الكريم وعلومه وإثراء المكتبة الإسلامية بالدراسات والبحوث، والاستفادة من خبرات الباحثين والرد على شبه المغرضين ودسائسهم، وإبراز جهود المنصفين، وخدمة كتاب الله - تعالى - من خلال دراسات علمية منهجية، وإثراء الساحة العلمية بكتابات نقدية جادة تتصل بالدراسات الاستشراقية، وتشجيع البحث العلمي في مجال الدراسات القرآنية، وتنمية الوعي العلمي الناقد للاستشراق ومدارسه، وتنمية أوجه التعاون المثمر بين المعنيين والمهتمين بالدراسات الاستشراقية إلى جانب إبراز جهود مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في خدمة القرآن الكريم وعلومه من خلال بحوث الندوة التي ستتناول دراسة أهداف المستشرقين حول القرآن الكريم وبيان مناهج المستشرقين في دراساتهم للقرآن الكريم وعلومه، ودراسة النظريات الغربية المعاصرة، والاتجاهات الحديثة في دراسة القرآن الكريم وتقويمها، وحصر دراسات المستشرقين، وجهودهم حول القرآن الكريم وعلومه قديماً وحديثاً، والتعريف بجهود علماء المسلمين في تقويم كتابات المستشرقين المعنية بالقرآن الكريم، وإزالة العوائق الفكرية التي تحول بين دارسي الإسلام، والفهم السليم للقرآن الكريم، والتنبيه على أخطار تحريف مقاصد القرآن الكريم في تشويه صورة الإسلام. ولا استبق النتائج واستعجل الأحكام إذا ما جزمت بنجاح هذه الندوة قبل إقامتها، ذلك أنني أبني هذا الحكم على الأمل بالله عز وجل ثم استقراء النجاح المتحقق للندوات السابقة التي بحثت وناقشت العديد من الموضوعات في مجال القرآن الكريم وعلومه، وترجمة معانيه، والسيرة النبوية، وأتاحت الفرصة للباحثين والمتخصصين للمشاركة بأبحاثهم المحكمة في محاورها وموضوعاتها المحددة لها، وصدر عنها (204) أبحاث اجتازت وطبعت ووزعت على نطاق واسع، وفي الختام أقول: إن هذه الندوة تضاف إلى رصيد الإنجازات لمجمع الملك فهد ولوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد وتصب في نهر العطاء الكبير لهذا البلد المبارك المملكة العربية السعودية وقيادته الرشيدة، ودورها الرائد في خدمة الإسلام والمسلمين والعناية بمصدري التشريع القرآن الكريم والسنة النبوية، والاهتمام بهما تطبيقا ودراسة ونشراً.
alomari1420@yahoo.com |
|
|
| |
|