ينام هذا الكهل المنحني على زاوية طريق رث الثياب محدودب الظهر وكأن الأيام كلها تتسلقه تتساقط الأقنعة من مقلتيه يبكي الملامح جميعها.!
يركب أرجوحة البكاء ويتلبس الحزن عباءة، ما زال يتقوس عبر الأيام حاملاً العكاز، لم يعد يبالي بغلاء الأسعار ولا بمسلسلات رمضان ولا ب(حلاوة العيد).
حتى (بوابة الحارة: لا تعنيه ربما لأن حارته من غير جدران ومدينته من غير حراس لذلك يرقد اللصوص أمام الأبواب).
ينتظر يوم (الجمعة) بشوق ربما ليشاهد أكثر عدد من البشر، لا تغريه ما يسمونها الآن ب(المواسم) كان ينظر لهم وهم يرصون التمر بفن لا نظير له، يبتسم ساخرا.. اصبحوا يرغبون بأن يتنافسوا على اللاشيء..!
انهم لا يستلذون إنهم يستذلون فقط..!!
إنها طريقة التفكير الأقل شيوعاً هذه الأيام لم يعد يوجد من يبالي بالأشخاص الكل نيام.. يخرج الجوع من جيوبهم حيث لا يعلمون ليتسلقهم واصلاً لاعناقهم يتساقطون في هاوية، تباً للنسيان هو من أفقدهم بعض الشعور..!!
هل ينطبق عليهم (جنت على نفسها براقش) (وهو مثل عربي (قديم) اعادته لنا الأيام من غير متاعب في البحث والفرز..!!
وبراقش هذا ما هي إلا فكرة غبية تثار للأذكياء فقط!!
نصف مكسور لأشخاص لم يمتلكوا يوما أجسادهم ولكنهم يفتقدون كثيرا لأنصافهم المبعثرة، ما زال الكهل يتجول بعيونه الأربع انه يواجه مثالياته في لحظة انكسار؟!
يقف في منتصف الطريق يشاهد بياع الخضار وهو يطوي اشرعته، اغلقت الدكاكين جميعها أبوابها وأنوارها.
يبحث عن دكان (أبوسليمان) لم يكن لهذا الدكان باب!
ولم يكن له بضاعة أيضاً.
يكفي المكان وجود (ابوسليمان) و(قهوة) أبو سليمان وقلب (أبوسليمان) امتلأ المكان بقطط الحي الكسولة التي تبحث في - الظلام - عن بقايا طعام، غادر المكان وكله أمل بألا يعود له مرة أخرى.
تجره خطاه إلى باب منزله، أدخل يده بجيبه وأخرج ميدالية متخمة بالمفاتيح الخائبة مسك أحد المفاتيح وبيد مرتعشة فتح المنزل!
ينظر لجدران منزله هذه صورة لابنه وهذي قصاصات لكتاب وهذه قصيدة غزل في زوجته وتلك صورة لأحد القادة.
أغمض عينيه بمرارة كي يتهرب من النظر لتلك الجدران باختصار كانت الجدران تمثل ألبوم قناعاته!!
غدا سيدخل أبناؤه المنزل، ويقولون متضجرين: هو متطرف وتقليدي وذو نظرية غير ممتدة لكنه لن يستلذ أبداً وهو يرى الجيفة المنتنة حتى وإن كان في يمينه وشماله الحلوى، سيجدونه سعيداً ولكن ليس وهو واقف أمام المقابر.
قرر ذات مساء أن ينتظر معهم قدوم رمضان ب(طاش ما طاش) وأن يودعه ب(آخر دمعة) في الحلقة الأخيرة لمسلسل خليجي ما!
وأن يتقبل الغلاء بصدر مليء بالديون. ذاك الكهل المنحني على زاوية طريق، رث الثياب محدودب الظهر احتضن قلبه ونام..
(كسروك، كم كسروك كي يقفوا على ساقيك عرشا وتقاسموك وانكروك وخبأوك وانشأوا ليديك جيشاً!!).