قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كذّب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) أي من أجرى على لساني شيئاً لم أقله ولم أحدّث به فجزاؤه النار.
يعيش العالم كل يوم تحت حقائق متباينة بين الصدق والكذب ويتسابق المتسابقون للفوز بالسبق الصحفي المقروء والمرئي وتُبذَل الأموال الطائلة في سبيل خبر قد يكون كذباً محضاً وكما قال طرفة: ويأتيك بالأخبار من لم تُزَود فعالم الفبركات ليس له تاريخ فهو قِدَم الكتابة نفسها بحيث يقتات منها من يهوي الكذب ويستمرئ عليه لمصالح دنيوية بحتة وتكون في عنقه حتى يوم البعث إلا أن يقيضَ الله لها من ذوي الألباب من يستأصل شأفتها، فالسذّج من العامة تُصَدق كل ما يُقال دون عناء البحث أو الاستقصاء لمعرفة الحقيقة التي قد تنسب لشخص آخر لم يقل شيئاً افتراءً عليه وهو منها بريء براءة الذئب من دم يوسف ولا يفطن لذلك إلا الحاذق الأرب حين يعتمد على قراءة مستفيضة تدله على اكتشاف ما فُبرك، فخطبة طارق بن زياد في جيشه عند دخول الأندلس قيل أنها فُبركتْ على لسانه حيث إنه قريب عهد بالعربية وينحدر بعد جدّه الأول عبدالله إلى برابرة ليس لهم بالعربية حظ من التعليم فأنّى له هذه البلاغة في هذه الخطبة العصماء؟ وهذا استنتاج قد يكون صحيحاً نسبياً إن لم يكن هذا البربري قد أجهد نفسه في التحصيل والمعرفة وهو جندي ومولى لموسى بن نصير.
ولعل سقوط الدول والأنظمة والأمم تجعل من يخلفها يُفبرك عليها ما يشاء حتى يجعل تاريخها سواداً حالكاً في أعين الخلق وفي الأجيال اللاحقة فيتبعهم عار الأبد وهم لم يقولوا أكثر ما كُتب!! ولم يفعلوا جلّ ما سُطر عنهم!! كما قيل عن بعض خلفاء بني أمية وبني العباس، ناهيك عمن خُيل له أنه ظُلِم في تلك الدولة فأراد أن ينتقم شَرّ انتقام فوضع إصْرَ السابقين كله دون حياء أو خجل. ولذلك تحرّز محمد بن جرير الطبري في مقدمة تاريخه بقوله (وليعلم الناظر في كتابنا هذا أن اعتمادي في كل ما أحضرت ذكره فيه مما شرطت أني راسمه فيه، إنما هو على ما رويت من الأخبار التي أنا ذاكرها فيه، والآثار التي أنا مسندها إلى رواتها فيه) وهذا ورع وثقة وحتى لا يُقال أن ابن جرير فبرك على لسان أحدهم،.
وللفبركة نوعان:
1- فبركة أصلية قديمة تكون من المؤلف أو الكاتب على ألسنة من لم يقل ذلك القول أو الفعل جهلاً منه أو افتراءً (فصوت صفير البلبل) يحفظها الصغير قبل الكبير أنها للأصمعي وهو لم يقلْ بيتاً من الشعر قط أو روي عنه ذلك، وإنما هو راوية له، وقد نقلوا ذهب أبي جعفر المنصور إليه بقوام أعمدة أروقة لا يرفعها إلا رجال أشداء وهو يُسمّى بأبي الدوانيق من شدة بخله فكيف يكون ذلك؟
2- فبركة حديثة تُكَذّب ما قيل وما فُعِل بأن يجعله مضاد للحقيقة فيمحو ما كان مثبتاً من آلاف السنين بجرة قلم إما لأغراض مشبوهة أو لهوى في النفس كفبركة مرجليوث عن الشعر العربي وبأن الذي بأيدينا كله فبركه الرواة على ألسن الشعراء هكذا أخرجها من جرابه!! بأدلة سخيفة ليست من الحقيقة في شيء حتى عُدت فبركة القرن العشرين، وتبعة الدكتور طه حسين وزاد ولكنه آمن وعمل صالحاً ثم اهتدى.
أما أشد الفبركات قبحاً في عالمنا اليوم هو ما نراه عبر الإعلام المرئي مع تطور التكنولوجيا والعالم الرقمي حتى يُخيّل إليك الكذب في ثوب الحقيقة فيلتبس عليك ما تراه بأم عينيك فشككوا في الحقيقة نفسها فقالوا إنّ آرمسترونغ لم يصعد إلى القمر وإنما هي فبركة عملت ليظهر الأمريكان انتصارهم على السوفيت وإلا كيف بعلم يرفرف في مكان لا يوجد به هواء؟ ولعل الأنظمة الفاشستية والدكتاتورية كان لها نصيب الأسد في استغلال الفبركات لصالحها فتسخرها لتسحر أعين الناس تارةً وترهبهم تارةً بأن تجعل السوط في يد الشعب البريء حتى يصدق المأفون والجاهل ثم ينتزعه حقيقة ليضرب بطون الناس وظهورهم فبركة وكذباً مصمتاً كحال النظام السوري وإن لم تستح فاصنع ما شئت وهاهو يصنع ما يشاء دون حياء!!.
الاحساء