إنه يحتاج منا فقط أن نكون بسطاء حينما نريد أن نكتب، نكتب بفطرتنا التي نتحدث بها في المجالس، ليست بطريقة تنظيرية كما نتحدث نحن أنفسنا عن الفن والكتابة، لأننا إن تعاملنا مع الفن بعجرفة، وحملناه أكثر مما يحتمل، فنحن نُحوّل ما نكتبه من شيء يلامس الإنسان الحقيقي، إلى شيء يشبه تعاطينا مع الرجال الآليين.
إن كتابة الفن والإبداع أسهل بكثير من الحديث عنهما، فالحديث عن الكتابة يحتمل منا أن نتعجرف، لكن عندما نمارس الفعل الكتابي نفسه في نص ما فينبغي أن نكون بسطاء جدا، أن نتعامل مع النص وقت الكتابة بروح الجدّات.
أتذكر أنني قرأت قبل مدة ليست بالقصيرة رواية للكاتب عبدالواحد الأنصاري بعنوان «الإسماعيلي»، صادرة عن دار الانتشار العربي، ورغم مرور وقت طويل على قراءتي لها إلا أنني أشعر بأن الكاتب حاول في تلك الرواية أن يتعالم على الفن، ويقفز فوق البساطة، تلك التي ينبغي أن تكون حاضرة في ذهن الكاتب حينما يكتب، لقد كان الأنصاري في روايته تلك يتعجرف مع الفن، ويحمّله مالا يحتمل، فروايته بكل بساطة كانت تتحدث عن عدد من الروائيين السعوديين، وتذكر أمثلة من رواياتهم، ابتداء بمحمد حسن علوان مرورا بعلي الشدوي وصولا إلى أثير النشمي، وأخذ عددا آخرا من الكتاب أيضا أمثلة في روايته، إنه كان يحاول أن يبين للقارئ بأنه أفضل من هؤلاء جميعا حتى لو لم يذكر ذلك، كان يتأستذ على الرواية والروائيين، ويحمل الفن مالا يحتمل، ويختلق قصصا ومشاهد من نجس خياله، وكأنه يعلّم الروائيين كيف يكتبون، إنه كانت يكتب الفن بروح الناقد والمعلم، فأنت لا تعرف هل هذه رواية أم مقالة طويلة حملت مسمى «رواية».
إن عددا كبيرا من الكتّاب السعوديين حينما يكتبون الفن يمرون بمأزقين كبيرين، أولهما أنهم يكتبونه بتلك الطريقة التي يتحدثون عنه من خلالها، بمعنى أن الكاتب حينما يكتب، فهو يكتب بذهنية المنظّر، وثانيهما أن فهم التجريب لديهم يتجاوز البساطة التي ينبغي توافرها في النص، وبالتالي يتعاطى الكاتب مع الكتابة بطريقة تمتلئ بالغرور ليظهر للمتلقي بأنه قادر على كتابة نص مدهش، وهو لا يعلم بأن سر جمال النص الأدبي في بساطته، بينما الكاتب بغرورته وعجرفته هذه يحوّل النص من كائن حي يتنفس ويعيش إلى أحفورة تاريخية نراها ولا نشعر بها.
بالمقابل انتهيت قبل أيام من قراءة نص روائي للكتاب التشيلي إيرنان ريبيرا لتيلير، يحمل عنوان «راوية الأفلام» وصادر عن مؤسسة قطر للنشر، وهي تمثّل البساطة الحقيقية في تعامل الكاتب مع نصه.
كانت الرواية تتحدث عن فتاة صغيرة تروي الأفلام، وكيف استطاعت أن تنجح في اختبار العائلة فيمن يروي لهم الأفلام، وبالتالي يحظى بالذهاب إلى السينما دون كل العائلة، ليعود ويحكي لهم تفاصيل ذلك الفيلم الذي شاهده، وذلك حينما قرر أب مشلول لديه عدد 4 أبناء وبنت واحدة، وكان فقيرا لا يملك ثمن تذاكر العائلة جميعهم لدخول السينما أن يجري مسابقة بين أولاده ليقوم بتوفير ثمن تذكرة واحدة للفائز كل يوم أو أسبوع ليذهب للسينما ويعود ويحكي للأسرة ذلك الفيلم.
وفازت الفتاة الصغيرة التي تدعى «ماريا مرغريتا» في المسابقة، وأصبحت تذهب للسينما وتعود لتحكي الفيلم للأسرة، ومن ثم تطور الأمر وأصبح عدد من العائلات في الحي يذهبون لسماع حكايات «ماريا» للأفلام، وبعده تطور الوضع أكثر حيث شمل كل الحي، وبعد ذلك استمر إلى الدعوة الخاصة في المنازل لحكايات الأفلام، فموهبة هذه الفتاة الصغيرة فتحت بابا لها في أن تحصد الشهرة في الحي، إضافة لبعض المال الذي كانوا يدفعونه الأسر للأب ليحظوا بسماع «ماريا» وهي تحكي.
إن موهبة هذه الفتاة قادتها إلى عوالم جديدة لم تكن تتخيلها، فهذه الحكاية ببساطة في تلك الرواية التي لا تتجاوز 110 صفحات، فأنت ستلتهما سريعا حينما تبدأها، وتقف في النهاية مشدوها من جمال هذه الرواية، لتكتشف بأن السر الحقيقي في دهشتك تلك هو البساطة التي كان يكتب بها الكاتب.
أعتقد بأن كل كاتب -وأنا أولهم- ينبغي أن يتعامل مع الفن حينما يكتب مثلما يتعامل الطفل الصغير مع رسوماته، وألا يضع الفن في زاوية صعبة؛ لأن جمال الفن في بساطته.
تبوك
Alwan_mohd@hotmail.com