رشيد الذوادي أديب تونسي متميز؛ تؤرقه الكثير من القضايا العربية، وتؤلمه المعارك الفكرية الغير موضوعية والتي قد تتحول إلى التجريح وإلى الجوانب الشخصية. هو أديب من بنزرت مدينة الجلاء، واستشهد شقيقه المرحوم (محمد الحبيب الذوادي) في معركة بنزرت عام 1961م حرقاً بـ (النبالم) وكان الشهيد مربيا قديرا وله اهتمامات بالقصة القصيرة، وكتب عن بطولاته الأديب التونسي حمودة الشريف قصة للأطفال تحمل عنوان: (المعلم الشهيد)؛ صدرت في طبعات متعددة في كل من تونس والجزائر في أواخر الستينات.
ومارس الكاتب رشيد الذوادي الكتابة في الصحافة التونسية، وفي الدوريات العربية منذ سنة 1955؛ كما راسل في هذا الطور مجلة (العلوم) اللبنانية، ونشر نتاجاته فيما بعد في أكثر من دورية عربية كـ: (الأهرام) و (أخبار الأدب) المصريتين ومجلات: (الفكر)، و(الصادقية)، و(الإتحاف) و (الهداية) التونسية، و(العلم) و (المحرر) المغربيتين، و(الخفجي) و(القافلة) السعوديتين، و(مجلة الأديب) اللبنانية، وهو عضو في (اتحاد الكتاب التونسيين)، وعضو في (رابطة الأدب الحديث بالقاهرة)، وعضو في (نادي القلم الدولي)، وعضو في كل من (اتحاد المؤرخين العرب ببغداد).
زارنا هذا الكاتب وسألناه.. فأجاب:
هل يمكن فصل (الأدب عن الفكر؟).
- بالطبع لا... وحذار أن نقع في أخطبوط هذه النظرية، التي تروج لها الآن موجات التغريب، للقضاء على جوهر الإبداع العربي والفكر العربي ككل، ونحن كأمة لها جذور وقيم في التاريخ؛ يسعى الغير لفصل إبداعها عن الدين والقومية وتلك تعد من المؤامرات علينا.
وفي تقديري الشخصي، إنها معركة خاسرة تواجهنا، وهدفها تقزيم الأمة بانفصال عناصرها المكونة لفكرها، ولتراثها الخالد المعتزة به.
وهنا أقول: إن الفكر الإسلامي قام على الإبداع، وارتبط به، ومن يتأمل في تقييم الحركة النقدية للإبداع العربي وفي ساحات تياراته، يرى الجانب الروحي، والجانب المادي على السواء.. ويرى (أدب الإسلام) مفعما بالمكرمات، ويصور الحياة المتشابكة، وبما يزخر به الذوق الأدبي الرفيع والفطرة العربية المستقبلية.
ودعوات مغرضة كهذه؛ هي مرفوضة، لأن الوقائع والنصوص تفندها، سواء في الشعر أو في الرواية والمقامات.. ولذا كان علينا أن لا نصدقها، لأن القاعدة العتيدة في الفكر العربي، تثبت لنا دائماً أن الفكر مرتبط بالجذور، وبأصوله الثابتة.. وفي محاولة إخراج الأدب العربي عن ذاتيته ومقوماته وطبيعته، هو تلويح بقتل (الأنا) وبإفناء قيم مقوماتنا، كأمة ذات رسالة خالدة، ومقاصد سامية، وتوجه صادق.
يروج البعض من مفكري الغرب إلى أن هناك صراعا بين (الدين والعلم)؛ فهل هذا من قبيل التحامل والافتراء علينا؟
- إن هذا من باب التضليل والحقد.. فالعلم لا يعارض الدين، والإسلام دعا إلى التعلم وحرية البحث، وإلى التسامح الذهني، وبمرور السنين أصبح العلم يسلم بوجود ما ليس قائماً أمام الحس.
وشخصياً أعتقد أن السنين القادمة، ستكشف لنا أن (العلم) سيخطو خطوات جريئة نحو الدين ومقاصده المثلى، ونحو ما أمرنا به الله عز وجل في كتابه المحكم!..
كيف تقيم عناصر الأدب؟
- الأدب يتكيف من الأفكار والأخيلة والعواطف، ويخضع للعقل وللمخيلة والشعور، ونجني منه الإبداع الجيد، حينما يكون معيارا للحق وللصواب، ولفعل المكرومات.. وخاصياته الجدة، والعمق، والسمو، والإيحاء أيضاً..
والمراد بالأدب اليوم أمران: فن الكتابة والآثار التي تتجلى فيها.
ولفظة (أدب) عند العرب دلت على معان مختلفة، ففي الجاهلية دلت على الدعاء إلى المأدبة، ثم أطلقت على تهذيب النفس وتعليم الإنسان، ومنذ القرن التاسع استعملت للدلالة على جملة من العلوم والفنون من فلسفة، وكيمياء، وطب، وأخبار وأنساب، وشعر وغيرها..
> وما رأيكم فيما اعتمده د. طه حسين في إصدار حكم على مجموعة من الشعراء الماجنين وقال عنهم: إن هؤلاء مثلوا عصرهم حقا وكانوا أصدق تمثيلا لحياته من الفقهاء وأصحاب الكلام؟.
كلام د. طه حسين فيه عنف وقسوة، وحكمه هو كم قاس جداً.
- وفي تقديري فإن (شعر الماجنين) لا يمثل عقيدة عصر وأخلاقه، وقد حكم بهذا حتى الناقد الكبير زكي مبارك فكان حكمه صادقا حينما قال: (إن طه حسين رسم لوحة خلق معدنها من الكذب والتمويه، وصنعت مادتها من الظلال والبهتان) وأقول هنا: إن ما لدينا من أخلاقيات القدامى: كأنس بن مالك، ورابعة العدوية وابن سرين، والحسن البصري وأضرابهم ما فيه الكفاية للرد على مزاعم (طه حسين)، وهو ما يعطي الصورة الحقيقية عن عصور الإسلام وأيامه.. وإصدار مثل هذه الأحكام من طه حسين وأضرابه، هو من صور (إيغال المنهج الديكارتي)، الذي اعتمد على أن (الإنسان حيوان).. لذا وجب علينا التمحيص في الآراء المشبوهة، ولا نعتمد عليها، لأنها تدمر بطولاتنا وترسم علامات استفهام عديدة!..
همومكم ككاتب فيما تتمثل؟
- تؤرقني مجمل قضايا أمتي العربية.. فقضايا أمتي تدمي، وجراحها تنزف.. والمتأمل في المشهد العربي، يرى قيود الواقع وسيلا من التناقضات التي تحكم الحياة حين تتردى، لذلك كان على الكاتب أن يتأمل، ليتأكد من الحقيقة، ولكي تكون أحكامه أحكاماً موضوعية.
وبالنسبة لما يوحي به العصر من هموم، أشير إلى بعض ما يؤرقني: كمجمل الصراعات التي لم تحسم إلى الآن، وكمشكلة الفقر في بعض الدول، ومشكلة العطاء في الفكر المتجدد.. وحتى فيما يلوح من (متاعب الفلسطينيين)، وفي إثراء الإضافات، التي تجعلنا نعطي ولا نأخذ فقط!..
قيل عن الشعر قبل إنه (ديوان العرب)، فهل ما زال الشعر يحظى بهذه المنزلة؟
- للشعر أهمية وحظوة كبرى لدى العرب.. والعرب من تقاليدهم الاعتزاز بالشعر وبالشعراء، و (سوق عكاظ) خير شاهد على هذا القول.
وعادة، كان من طباع العرب الافتخار بشعرائهم، وبأخصب المراحل في الشعر.. وكان الشاعر في الجاهلية في خدمة القبيلة، ثم تطور دوره في تأييد الدين في عهد الإسلام.. وبدءا من العهد الأموي أصبح وسيلة لإذاعة المحامد والمآثر وتأييد الأحزاب السياسية.
والخلفاء والأمراء العرب قربوا الشعراء وأغدقوا عليهم العطاءات، كما شجعوا مجالس الإنشاد الشعري، ولذلك ارتقى الشعر، وأصبح له منزلة اجتماعية خاصة، كما انتقلت قصائد الشعراء من سمع إلى سمع، وأصبح الكثير منها منتشرا في الأمصار والحواضر وعلى كل لسان!..
و(شعراء الحجاز) كان لهم صدى واسعا ومنصفين في التعبير عن أخلاقيات العرب وعن قضاياهم.. ويحضرني في هذا المجال شعراء قدامى كـ: (زهير ابن سلمى) و(حسان بن ثابت) و(أبو ذؤيب الهذلي) و (النابغة الجعدي) في القديم.. وفي العصر الحديث تجد: الطاهر الزمخشري، وعمران بن محمد العمران، وحماد أحمد صبح، ود. غازي القصيبي، وعبدالرحمن السويداء، ود. عبدالله بن أحمد الفيفي، وأمير الشعر في المملكة عبدالله الفيصل، ود. سليم الرشيد.. وحيث أشدت بشعراء الحجاز قديما وحديثا فلأني قد وجدت في قصائدهم ما يرقى بالعقل والوجدان، وما يفسر بناء الصورة الشعرية المعبرة عن الحس والخاطر، وعن الثقافة العميقة.. والأمثلة في هذا كثيرة... ونراها بخاصة في قصائد الأمير عبدالله الفيصل القائل في قصيدة (إلى الله):
إلهي يا ربا عبدتك طاعة
وتقوى وإيمانا بأنك تعبد
إليك فؤادي خاشعا وجوارحي
إذا سرت أو ووقفت أو أتهجد
وجودي.. وما يحوي الوجود بأسره
رذاذ عطاياك التي ليس تنفد
بودنا رأيكم في موقف القرآن من الشعر؟
- موقف القرآن من الشعر، هو موقف واضح، ويستمد مفهومه من أصل أصيل في الإسلام وهو الصدق، والملاحظ أن الدين الإسلامي قنن الفنون عامة بالأخلاقيات.. ومن الطبيعي أن نستمد من (الأخلاقيات) كل القيم ولنتحرك في إطارها.
بوصفكم دارسا لآثار اللغة العربية ولنصوصها، فكيف ترون (أثر القرآن) في وحدة اللغة؟..
- يعلم جميعنا أن (القرآن الكريم)، هو كتاب الله المحكم، والقرآن قد فتح القلوب والعقول، كما له يد في (توحيد اللغة العربية) وفي إعلاء شأنها، وفي تكوين الأذواق الأدبية أسلوبا ومضموناً.
بماذا تذكركم (مكة)، و (المدينة المنورة) وأرض الحجاز عامة؟..
- تذكرني (مكة المكرمة) بعوامل القوة، وبالشجاعة والثبات، التي برزت في شخصية الرسول الكريم محمد عليه السلام، وفي أصحابه الأوفياء الصادقين أمثال: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وبمواجهة التحديات المحيطة بأوائل المسلمين، وببدء البعثة و بـ(الكعبة الشريفة) و بـ(غار حراء) وما جرى فيه.
أما (المدينة المنورة) فتستوقفني بأخيار الأنصار وبسكنى الرسول وبرسالته عليه السلام، وبهجرته إليها، وتعد أعظم حدث حول مجرى التاريخ الإسلامي، وغير مسيرة الحياة... وفي (مسارات حياة المدينة) عرف المجتمع الإسلامي النور، وكتب للدعوة أن تنتصر.. و(المدينة المنورة) كانت تدعى (يثرب)، واختارها الرسول الأعظم نظراً لموقعها الإستراتيجي الهام بين شمالي شبه الجزيرة العربية وجنوبها، ولتحصنها الطبيعي حيث أحيطت بالجبال ولمزاياها الاقتصادية أيضاً، حيث يتوفر فيها أشجار النخيل والزروع بكثرة.
ومن ميزات خصائصها البشرية، أن أهلها أهل حرب وقتال، بالإضافة إلى وجود عنصر القرابة بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم.
و(المدينة المنورة) بعد هجرة الرسول الأعظم، أصبحت عاصمة الدولة الإسلامية الأولى، وشكلت الأنموذج المصغر للدولة الجديدة في ذلك العهد، خصوصا بعدما وضع الرسول الكريم أسس التكافل الاجتماعي وآخى بين الأنصار والمهاجرين، وزرع فيهم القيم السامية، ودعاهم إلى التمسك بالأخلاق، وضرب لهم أروع الأمثلة في الحياة بدءا بنفسه.
فيما تتمثل قيمة الكتابة أفي الشكل أم في المضمون؟...
- الكتابة - وبمختلف ضروبها- لونا من ألوان التعبير، وخرجت في الوقت الحاضر من التجريديات، ومن الموضوعات التقليدية، لتلتحم بقضايا الشعوب وبمطالبها، وقد نجد في بعض قصائد الشعر التخلي عن (شعرية الكلمة) وفي (القصة) الكتابة باللغة السهلة، والحوار باللغة العامية.
وأرى أن المهم في الكتابة، هو (المضمون)، و (الموقف الحر)، و (الانفعال بالواقع)، و (الاهتمام بتصوير المشاكل الاجتماعية) ...إلخ.
ما هو حاضر القصة التونسية؟..
- حاضر القصة التونسية الآن يبشر بالخير، ومجلة (قصص)، ومنشورات (نادي القصة) الذي أسسه الأديب التونسي محمد العروسي المطوي، يمثل كله زادا معرفيا في تراث القصة في تونس بعدما تخطت مراحل الترجمة ثم الاقتباس، ثم جاء دور التوظيف في المشهد الأدبي.
إن القصة التونسية ظهرت في دوريات عديدة في تونس كـ: (النهضة، و (الصواب)، و (الندوة)، و (العالم الأدبي)، لكنها تميزت بملامح فنية خاصة في (مجلة الفكر)؛ التي أسسها الكاتب محمد مزالي في بدايات أكتوبر 1955م.
ومن خيرة القصاصين عندنا الآن نرى أسماء عديدة، أمثال: البشير بن سلامة، ورضوان الكوني، وحسن نصر، وعز الين المدني، ومحمد فرج الشاذلي، ورشاد الحمزاوي ومصطفى الفارسي، ومحمد صلاح الدين بن حميدة، وأحمد ممو، ويوسف عبدالعاطي، وناصر التومي، ويحيى محمد، وصالح الحاجة، ومحمود بالعيد..
ومشاهير الشعراء بعد الشابي؟..
- هم: عبدالله مالك القاسمي، ومحمد الهادي الجزيري، والمنصف الوهايبي، ومنور عزيزي وأحمد اللغماني، ومحمد العروسي المطوي، والبشير المشرقي، ويوسف زروقة، ود. الأزهر النفطي، ومحيي الدين خريف، وعز الدين الشابي..
والروائيون الكبار:
- هم كثير لدينا، يأتي في مقدمتهم الكاتب القدير البشير بن سلامة، ومحمود المسعدي، ورضوان الكوني، ومحمد صلاح الدين بن حميدة، وعمر بن سالم، وحسن نصر، وأضرابهم.