قدمت الأفلام التشيلية فيلماً مهماً وذا ارتباط بعالمنا ومتغيراتنا في العالم العربي.. اسم الفيلم «NO».
قصته.. قصة الديكتاتور التشيلي «أوغسطينو بينوشت» الذي استولى على الحكم في تشيلي في 11 سبتمبر عام 1973 واستمر كديكتاتور في تشيلي حتى سلّم الحكم لحكومة منتخبة في 1990. الفيلم يحكي قصة هذا الانتقال واللحظة التاريخية الحاسمة في تشيلي.. وكيف نجحت الحملة المدنية في انتقال سلمي ديمقراطي للبلد.. ودور العسكر الذين رأوا ضغط الشارع فرفضوا أن يضحّوا بالبلد وتاريخه ودماء ناسه لأجل طغمة فاسدة.. فساعدوا على حماية نتائج الاستفتاء الشعبي الذي رفضت الأغلبية فيه استمرار الديكتاتور في الحكم وصوتوا بـ «لا». القصة تحكي كيف آذى هذا الديكتاتور المعارضة السلمية وشوّه سمعتها وهددها واستخدم محاكم أمنية خاصة لأجل تصفية خصومه وكيف أنه كان يهدد بشكل غير مباشر خصومه ومنتقديه..وفي ذات الوقت يخدع العالم عبر زعمه أنه أتاح انتخاباتٍ واستفتاءً شعبياً وأنه يملك شعبية واسعة داخل تشيلي.
كيف كان يلاحق خصومه وقادة حملة «لا» هذه بالسيارات التابعة لداخليته.. وكيف أن البوليس والعسكر أصبح يحكم البلد بشكل مباشر في أغلب الأحيان وربما بشكل غير مباشر.. وكيف كانت حملته الإعلامية وترسانته تقوم على استخدام موضوع «العصابات المسلحة» -إذا استخدمنا لغة الإعلام السوري الرسمي مثلاً- وموضوع الإرهابيين كورقة ضغط يخيف بها الناس والعالم، وكيف كانت حملة الديكتاتور الرسمية تخيف الناس بالماضي، وأن الخيار الشعبي الديمقراطي سيجلب الفقر والبؤس والحرمان.
ورغم كل ذلك.. قامت الحملة السلمية للمعارضة التشيلية في ذاك الوقت بحملة كسرت كل حواجز الإعلام الرسمي .. واستطاعت أن تقول «لا»، «لا» للديكتاتور بعد اليوم، ولا لدولة البوليس، ولا للاعتقالات التعسفية، ولا للتعذيب، ولا للخطف، ولا لاستخدام ورقة الإرهاب لممارسة إرهاب أمني آخر.. ولا للولايات غير المنتهية ، ولا لحكم العسكر، ولا للقمع.
لا.. هذه الكلمة العظيمة هي أول وأهم كلمة في الإسلام تبدأ بها الدين الحنيف وتدخل بها عالمه عبر أن تقول قبل كل شيء «لا». فتعلمك أن تقول «لا إله إلا الله» لنفي كافة أشكال التكبر والتجبر والتفرد والعبودية والسجود والركوع إلا لله سبحانه وتعالى. وهكذا كانت «لا» لغة النضال السياسي والديني تاريخياً. «لا» للطغيان بكافة أشكاله، وللظلم والحرمان والمسغبة.. وهكذا كانت «لا» معلمة الأجيال.. ولامزيد.. يعني «كفاية»، لذلك كانت حركة كفاية المصرية شكلاً واضحاً من أشكال أن تقول «لا».
وحينما كان العربي الأول المثقّب العبدي يوصي أصحابه أوصاهم بقول «لا» أولاً .. وليس نعم.. فيقول:
حسنٌ قول «نعم» من بعد «لا» ... وقبيحٌ قول «لا» بعد «نعم»
إن «لا» بعد «نعم» فاحشة ... فبـ»لا» فابدأ إذا خفت الندم
هكذا هي «لا»، التي جعلت كتباً في التنمية الذاتية تعلمك كيف تقول «لا»، وإلا فإن كل أحد يعرف أن يهزّ رأسه، ويقول «نعم» ويوافق على كل ماسبق ولحق، ويؤيد كل مايجري، ويرى أنه «ليس بالإمكان أفضل مماكان». ولذلك فلن يجد الديكتاتور التشيلي في ذاك الوقت أفضل من مطبلاتية يصبح رأيه «القرار الحكيم» و»الرأي السديد» و»الحكم الرشيد» .. وكل شخص يختاره يبدو «رجلاً مناسباً في المكان المناسب». لذلك كان يقول «رينيه» بطل الفيلم بأن كل استراتيجيات الديكتاتور التشيلي هي «نسخ من نسخ من نسخ من نسخ آخر» لأفعال ديكتاتوريين آخرين درسوا في نفس المدرسة الفرعونية التقليدية.. فلاعجب حين يخلو الديكتاتور التشيلي من أي إبداع فالفراعنة استنفدوا كل الخيارات التي يمكن أن يستخدمها الديكتاتور.
أخيراً، صوّت التشيليون بـ «لا» وكتبوا أقدارهم لأنه:
إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلابد أن يقول «لا».
abdalodah@gmail.com
الولايات المتحدة