Culture Magazine Thursday  25/04/2013 G Issue 404
فضاءات
الخميس 15 ,جمادى الآخر 1434   العدد  404
 
السعودي الذي أخافنا
عبدالله بن سعد العمري

 

ما إن نطقت قناة العربية بالإشاعة التي أثارتها صحيفة «نيويورك بوست» عن وجود شاب سعودي محتجز للاشتباه بضلوعه في تفجيرات بوسطن الآثمة, حتى ارتد ذلك على مشاعر المجتمع السعودي جميعه, وقد أيقنوا أخيرا ضرورة وجود علاقة سعودية أمريكية ثابتة لا تتأثر بشيء من هذا القبيل خاصة.

لقد عشنا فترة رائعة تمثلت في التقارب الكبير بين البلدين شعبا وحكومة, حدث خلالها أن وصلنا لقلوب الكثير من المجتمع المعرفي الأمريكي فأخذنا ننهل من إمكاناته المادية الرائدة على مستوى العالم, وأصبح السعوديون على مرفأ خصبٍ من ثقة وعناية الرجل الأول في العالم الحديث.

وما إن كسب الرجل السعودي ثقة هذا العملاق اللطيف حتى عاد إلى وطنه يحمل شهادات عليا أنار من خلالها ردهات الظلمة التي عاشتها بعض العلوم البحتة لدينا, حيث فشلنا في استخلاص نتائج مثمرة من العقل الروسي والصيني والهندي, لأن تلك العقول باختصار كانت شحيحة في إعطاء المعلومات المتوفرة, إضافة على العلاقات الدبلوماسية المتحفظة معهم.

ونتج أن تشاركنا نجاحات العقل الأمريكي المتطورة بعدما اتجهنا لرؤية البريطانيين وقد بدت على علومهم آثار الشيخوخة الطاهرة, فأصبح توجه الدولة في تغطية أبنائها لأحدث العلوم الأمريكية والتي تخرج بشكل مستمر دون توقف.

وتجذرت تلك العلاقة السعودية بالولايات المتحدة إلى درجة غير مسبوقة, تمثلت في نقل معظم الملفات التنظيمية البلدية في أمريكا إلى داخل المملكة-بغض النظر عن سوء وحسن التطبيق-, فعيشك في العاصمة واشنطن لا يختلف كثيرا عن الرياض العاصمة من النواحي التنظيمية, إلى درجة وجود تشابه كبير في سهولة التعامل بين المؤسسات الأمريكية والسعودية, على صعيد المراجعات واستخلاص الأمور, وبعضٍ من الواسطة الشفافة! بخلاف الحدة والقسوة والتعقيد في الإجراءات الشكلية لدول مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا كما يروي كثير من المبتعثين والسواح السعوديون.

وغير ذلك فلم نكن يوما ما جزءا منفصلا عن سياسة الولايات المتحدة المتوازنة مع حلفائها, فقد ارتبطنا بالدولار الأمريكي بغض النظر عن السبب سواء أكان لدعم ثباته أم لقوته, لكننا اخترنا بنجاح حليفا مهيمنا على القوة الاقتصادية التي سببتها السحابة العسكرية -الممطرة بؤسا على كل قوة ناشئة-.

في حين بقيت دول كثيرة تغيب بالعاطفة في تمسكها بالعلاقات مع الدب الروسي المنهار, ومكثت تدس أقدامها الحافية الحمراء تحت غِطاوات البعثية والاشتراكية, مغترة بأسلحتها الصدئة!

لقد أثبتت العلاقات السعودية الأمريكية والخليجية الأمريكية بشكل عام أن استقرار المنطقة يعتمد-بعد الله- على مشاركة الحليف القوي رؤيته وتدابيره وإجراءاته السياسية في إدارة الأمور, رغم ما يشاع عن المردود العالي الذي تجنيه الحكومة الأمريكية من دول الخليج النفطية, وهذا بلا شك حق مقابل حق, واتفاق مربح لكلا الطرفين, يأمل بدوره العقل العربي الخليجي أن يكون مقابلنا مادة مقابل مادة, لا فكرا مقابل مادة.

كل هذا يحدث في ظل وجود بيئة علاقات ثنائية صافية, مدركة لوقت المصلحة السياسية, وأدوار اللعبة المعقدة المرتبطة بالزمن والمساحة, وما إن يحدث أي تعكير لصفو هذه العلاقات حتى تبدأ في الاهتزاز المفضي إلى التوتر, حيث لا يكون في مصلحتك حينها مجابهة عملاق هائج في فترة ركود دبلوماسية مع حلفاء آخرين.

لقد عملت حكومة المملكة العربية السعودية مع شعبها جنبا إلى جنب على استعادة رضا الشعب الأمريكي وحكومته بعد التشويه الكبير الذي لحق بها في عهد إدارة الرئيس الأسبق بوش الابن, حيث أدت العمليات الإرهابية, والتي نفذها مسلمون كان من بينهم سعوديان سنة 2001 في برجي التجارة العالميين؛ إلى إلحاق الضرر بالصورة الزجاجية للمواطن السعودي الذي كان حينها يعاني الأحداث الإرهابية الأثيمة والمتقطعة من فترة لفترة داخل الأراضي السعودية.

وما إن بدأنا نستعيد بعضا من تلك الميزات حتى أتت تفجيرات بوسطن الأخيرة, لتقض مضاجعنا إشاعة وجود شاب سعودي مشتبه.

إنه لم يكن من مصلحتنا على الإطلاق أي توتر سياسي مع الولايات المتحدة, حيث تنعكس تلك التوترات على سير العمليات الاقتصادية والثقافية والإنسانية, ما من شأنها تهديد حياة المبتعثين السعوديين العلمية, والذي ينتظرهم الوطن بفارغ الصبر حتى يتمكنوا من النهوض بالمؤسسات والمجتمع والمعرفة.

ولا ننكر أن العقلية العربية الخليجية قد تميزت عن غيرها من العقليات العربية الأخرى, في انحيازها الكبير تجاه المدارس الأمريكية في العلوم والمصطلحات, ففي حين تجنح عقليات الشمال الإفريقي وبعض من دول الشام تحت وطأة المصطلحات النظرية الفرنسية والألمانية والتي يعتبرها الأمريكيون قديمة, يبدو في المقابل العقل العربي الخليجي أكثر حداثة في تناغمه مع تلك النظريات, مشيرا في الوقت ذاته إلى كهولة العلوم النظرية الأوربية, ليتشارك بهذا رؤية الأمريكيي ن وتقدمهم, وهذا ما يفسر التمسك الشديد عند السعوديين برسم صورة مثالية عن المعارف الأمريكية, والتي تأتي كانعكاس للعلاقات السياسية الجيدة بين البلدين.

أخيرا: أرجو أن نكون سفراء خير لبلادنا, وأن ندفع ثمن تشوه جزء من صورتنا مقابل جهودنا في إخبار الناس في العالم أجمع - وليس في الولايات المتحدة فقط - بحقيقة إنسانية هذه الدولة وشعبها, من خلال كلمَتَيْ «الدين المعاملة».

كاتب وأكاديمي سعودي الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة