طرح زميلي الدكتور عبد الواحد الحميد في زاويته بالجزيرة قبل أيام فكرة رددها كثير من الناصحين في مجال الاقتصاد المعولم، وتهدف إلى الاندماج مع أزمنة العالم المتقدم في العمل والإجازة. وقد أوضح الدكتور في مقالته المذكورة، أن عُمان قد انضمت مؤخراً إلى بقية الدول الخليجية في جعل الإجازة الأسبوعية يومي الجمعة والسبت (بدلاً من الخميس والجمعة). وبهذا تصبح السعودية هي الدولة الخليجية الوحيدة في المجلس، التي تخالف أوقات توقف العمل في بقية دول مجلس التعاون، بل أظنها أصبحت الوحيدة في العالم التي تخالف أيام العمل العالمي (لأغلب الدول المتقدمة) في أربعة أيام في الأسبوع؛ إذ تتوقف يومي الخميس والجمعة، ويتوقفون يومي السبت والأحد. بالطبع هناك – كما يعرف المختصون – فرق تبقى في عمل خلال أيام التوقف عندنا، لكن المؤسسات بوجه عام تصبح معطلة.
وأقول زيادة على عدم الاتساق هذا مع العالم، إننا بحاجة أيضاً إلى أن ندرج أرقامنا العربية (1,2,3 …) التي أخذها عنا العالم، وأخذنا بديلاً عنها الأرقام الهندية (1، 2، 3، ...) التي نصر على استخدامها، والتمسك بها، وكأنها جزء من هويتنا الثقافية. ولا أعلم سبباً يجعلنا نبقي عليها، مع ضعفها في التعبير عن الصفر الذي يكون بنقطة قد لا ترى في بعض المواضع، أو مع ضعف الرؤية، وهو ما يغير قيمة العدد المراد التعبير عنه. كما أن التفريق بين رقم الاثنين والثلاثة غير واضح في كثير من الأجهزة الحديثة للاتصال الهاتفي، أو التواصل الالكتروني، مما يسبب حرجاً، أو أخطاء تؤدي إلى عدم قيام التواصل من الأساس. وفي حالات ليست قليلة يحتاج بعض كبار السن، أو ضعاف البصر إلى تبين الفرق بينهما.
كانت تلك الأرقام الهندية قد أدخلها الفرس في فترة اتصالهم بشبه القارة الهندية. لكن لماذا أبقى عليها العرب طيلة هذه القرون، وحتى بعد استخدام الأرقام العربية الأصل في الساعات والأجهزة الالكترونية، وكل نواحي الحياة الحديثة تقريباً؟ هو أمر يصعب فهمه، لكن إذا ربطناه بنسق الإجازة الأسبوعية المشار إليه أعلاه، يتبين لنا، كيف أن العرب يحبون التمسك بما لديهم غالباً، خوفاً من الانتقال إلى الجديد. ويتعالق مع تلك السمة الأنثروبولوجية ما قيل عن العرب في لغتهم، بأنهم يميلون إلى التشبيه أكثر من أي صورة فنية أخرى، وخاصة الاستعارة، لأنها تزيل الحدود بين مناطق المقارنة، خلافاً للتشبيه الذي يبقي على الحدود قائمة بين الأشياء.
بودي أن أعرف لماذا يصعب علينا أن نغير ما هو قائم، إذا استمر زمناً طويلاً؟ أهو بسبب ارتباط ذلك الاستخدام بقوة التعبير العددي، وترسيخ ذلك في الثقافة العربية، أم بسبب استخدام الحروف في الحساب، وانتفاء الحاجة إلى الأرقام في الفترات القديمة من التاريخ العربي؟
المؤكد أن الأرقام ترتبط كثيراً في أغلب الثقافات بمعتقدات تدعو إلى التفاؤل أو التشاؤم، كما هي الحال في توالي بعض الأرقام الخاصة في شبه القارة الهندية، التي أتانا منها هذا النسق، وخاصة لدى المسلمين فيها. فمسلمو باكستان والهند يتفاءلون بتوالي الأرقام (786)، بوصفها اختصاراً عربياً لعبارة «باسم الله»، كيف؟
لا أدري كيف توصل المخيال الهندي وما تأثر به في محيطه المجاور إلى مثل تلك النتيجة، إذ إنها في نظام حساب الجمّل (العربي) ليست كذلك. لكنها بأي حال أصبحت دالة على هذا المفهوم الديني، فأضحت لها تلك القيمة في ثقافات المسلمين الذين انتقلت إليهم مع مدلولها. كما أنها يمكن أن تكون مدعاة للتفاؤل أو التشاؤم بأي نظام كتبت؛ لكن المعول يكون على فهم المؤول.
الرياض