ليست شكاية سيدي الوزير فأنا لن أزعجك بحديث عن تأميننا الصحي الذي وعدنا به قبل عشر سنوات ولن أخبرك أني أذهب مع صديقي للمستشفى للحاجة عينها فأدفع أنا عشرة آلاف ويدفع هو سبع مئة ريال.. لا.. لا.. لن أتحدث عن هذا التأمين الذي كلما سألنا عنه قيل لنا التنفيذ جار ولعمر الله لا هو يجري ولا يحبو.. كلا سيدي.. لن أتحدث عنه.
لن أتحدث أيضا عن كوني معلما لمهارات اللغة العربية ووزارتكم تسميني معلم عربي!! ومع أن تخصصي دقيق إلا أن نظامكم يسمح لمدير تخصصه اللغة الإنجليزية بالدخول لفصلي وتقييمي وهو جاهل بفنون تخصصي.. كلا سيدي لن أهدر وقتكم الثمين بمثل هذا الحديث فمقالي ليس شكوى بل هو حديث الأخ الأصغر لأخيه الأكبر أو هو حديث المرؤوس لرئيسه الأعلى..
حسن سيدي.. لعلك تتساءل عما أريد؟
أريد الحديث حول مقررات اللغة العربية بصوت هادئ وثقة في وعيكم سأعرض ما أزعم أنه مشكل أمام تحقيق الهدف وسيكون حديثي من جهات عدة أولها أننا نمضي الفصل الدراسي نحدث الطلاب عن المركبات وأنواعها ثم في عالم الرياضة والألعاب وبعدها عالم الطيور والحشرات وأخيرا المهن والحرف وهذا وربك مقرر الصف الرابع الابتدائي وهذه الثرثرة المعرفية العامة تحتل مكانا لتضيق الخناق على مهارات اللغة العربية لنجد أنفسنا أمام أربع وظائف نحوية وأربع وظائف إملائية فقط لا غير!! أحقا هذا هو مقرر اللغة العربية؟! لا أشك مطلقا في جدوى الثقافة العامة ولكني حزين لأن الطلاب لا يستفيدون كثيرا بهذا الطغيان الظاهر لتلك الثقافة العامة.
لن أستعرض مع معاليكم مقررات الصف الخامس والسادس فهي كأختها وهذا يعني فقرا عظيما لدى الطلاب مما ينعكس لاحقا في كفاءتهم العلمية عندما يصلون لمراحل تعليمية عالية.. سيدي.. أراها كارثة كبرى فاعذر جرأتي.
اسمح لنا أن نناقش المقررات وما حوت من هذه الثقافة العامة التي فُضلت على مهارات اللغة العربية ولنتأمل معكم إن كانت ذات جدوى أو خير أو فضل.
في مقرر الصف الرابع دماء وإصابات وجراح تقدم على طبق من قسوة لأطفال في العاشرة من عمرهم فهل يصح هذا؟!
في الصفحة الثانية والثلاثين درس عنوانه « حادث محزن» وفيه يتعرض صبي اسمه علاء لحادث ثم يفقد القدرة على تحريك قدميه ويمسي مشلولا.
بعدها بثلاث صفحات درس عنوانه « نجاة أب وابنه» وفيه يصطدم الطفل سامر بالشجرة وهو يلعب بدراجته»والدم يسيل من رأسه فغطى وجهه» كما يصف الكتاب حاله وينقل للمشفى فترى الأم ضرورة استدعاء الأب وتتصل به فيتعجل القدوم بسيارته ليفقد السيطرة ويسقط في حفرة ثم تكتب له النجاة ويذهب لابنه وعائلته.
يا لله ما هذا؟ كيف نطلب من صغارنا أن يبتسموا وحري بهم أن تغرق عيونهم دمعا فيبكوا بكاء مريرا لهذه المآسي.
في الصفحة التاسعة والأربعين درس عنوانه السائق الطائش وفيه يصطدم سائق سيارة بإشارة المرور ويقول الكتاب :» وتحطمت وسقطت على الأرض «.. لطفك يارب كل هذا في أقل من عشرين صفحة ونطلب من صغارنا أن يهدؤوا!! وتستقر عواطفهم.. رحماك يارب.
المآسي تنال الطيور أيضا فالطاووس في الصفحة الرابعة والتسعين ينتف ريشه ويتعرض لتعذيب وحرقة.
أسألك الله سيدي هل يصلح هذا لأطفال في العاشرة من عمرهم؟ أليس حريا بنا أن نزرع فيهم التفاؤل والأمل عوضا عن الأسى والألم؟!
لننتقل لمقرر الصف السادس حيث البراعم في الثانية عشرة من أعمارهم لننظر أي وجبة نقدمها لهم؟
في الصفحة التاسعة عشرة موضوع عن إيقاف المملكة العربية السعودية استيراد الدم بعد ثبوت نقله للأمراض ويقول الكتاب :» كالإيدز والتهاب الكبد الوبائي».
في الصفحة السابعة والثلاثين موضوع عن أنفلونزا الطيور..وفي الثالثة والأربعين موضوع عنوانه» حلوى الأطفال..كوارث صحية!!»
لم هذه السلسة من الأمراض تأتي تباعا لأطفال.. أطفال..أطفاااااااال؟!!
بعدها اسمح لي يا صاحب المعالي أن أتفق معكم أن هناك لغة تكتب للناضجين ولنصطلح على تسميتها لغة الكبار وأخرى تكتب للناشئة ولنصطلح على تسميتها لغة الصغار ولعل من فقدان البلاغة والبراعة مخاطبة الصغير الناشئ بلغة الكبار غير أن كتبنا تقع في هذا الفخ فانظر معي:
كما أسلفت الحديث عن الإيدز وقانا الله وإياكم منه من لغة الكبار ولا يصح عقلا ولا ذوقا ولا أدبا مخاطبة الصغار به أو حديثهم عنه مطلقا.
وفي مقرر الصف الخامس درس طويل عن مكتشفة الأشعة في الصفحة التاسعة والثمانين بعد المئة في ثلاث صفحات ممتلئة بالمعلومة وهذا وربك لا يناسب عقول الصغار ولا يصح عرضه بهذا الشكل.. نعم عرضه ممتاز ولست ضد وجوده بل أؤمن بأهميته أيضا لكن كان الأولى أن يأتي بلغة مبسطة تناسب أبناء الحادية عشرة.
بعده مباشرة درس عن توماس أديسون ويعرض أيضا بطريقة تناسب الناضجين حيث الحديث عن الفاقة والحاجة ثم الاكتشاف العلمي وهذا لا يناسب عقول صغارنا يليه مباشرة درس عن مكتشف الجاذبية وهو في لغة راقية جدا وهي حقا رائعة لكنها تناسبني أنا ولا تناسب صغاري.
ماذا لو كانت المعلومة عن أبي بكر وعمر وغيرهم من الصحابة ؟ هل نحن سعداء عندما يعرف أبناؤنا بيل غيتس مثلا ويجهلون من يكون عبد الرحمن بن عوف وسعد بن معاذ؟!!
ماذا لو استعنا بتراثنا المجيد ككتاب كليلة ودمنة وهو مناسب جدا لعقول البراعم اليافعة؟
أؤكد ثانية أني لست معترضا على تثقيف الصغار وتوسيع وعيهم بالحياة وبما يحيط بهم من أخطار وأمراض بل إني أحث على هذا وأسعى له وأؤكد جدارته وضرورة وجوده لكني أعترض على اللغة فهي لغة الكبار – كما اصطلحنا على تسميتها – ولا تناسب وعي أولئك الناشئة.
سيدي صاحب المعالي..لست أكثر من معلم غيور على أبنائه حريص على نفعهم مؤمن بمهام عمله وهنا أقسم أمام الله ثم أمامكم أن هذا لا يناسب براءة الصغار ولا يتماشى مع وعي الناشئة ولا يصح عرضه لهم فإن رأيتني مصيبا فالبدار البدار وكما غيرتم المقررات طيبة الذكر وأحللتم هذه مكانها فارحموا عقولنا وقلوبنا وغيروا هذه وهبونا خيرا منها لا حرمكم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة وإن رأيتني مخطئا جاهلا فالعذر كل العذر لحماسي الذي يسوقه حبي لصغاري من جهة وإيماني بمنجزكم من جهة ثانية..
الرياض