Culture Magazine Thursday  15/04/2010 G Issue 306
فضاءات
الخميس 1 ,جمادى الاولى 1431   العدد  306
 
عن جائزة (الملك عبدالله)
للتراث والثقافة.. وما بعدها..!
فيصل أكرم *

(هو مهرجان للتراث والثقافة، وهي جائزة للتراث والثقافة.. راعيها هو راعي المهرجان نفسه، وتوقيتها جاء متقناً بعد تأكيد وشهرة المهرجان لربع قرن متفوقاً عاماً بعد عام.. وجائزة كهذه حين يتبناها أعلى رجل في الدولة ويمنحها اسمه، لعلها تلفت نظر القائمين على الشأن (الثقافيّ) من نواحيه (الإبداعية والتنويرية والتطويرية) إلى انتهاج ما يأخذ بلادنا نحو مستقبلٍ يليق بنا.. فالتراث حاضرٌ فينا أينما تحركنا أو قلنا أو كتبنا أو قرأنا، إنما (الفكر التنويريّ، والإبداع المتجاوز، والتطوير اللغوي، إلخ..) هي الفروع التي تنتظر محفزات مماثلة من أجل مواصلة محترفيها في خوض غمارها على رغم الإحباطات التي تعتور طرقاتهم..

والحقيقة أنني، لحظة سماعي خبر الجائزة، تفاءلتُ مترقباً خبراً مماثلاً عن عودة جائزتي الدولة (التقديرية، والتشجيعية) ولا أظنّ ذلك بمستبعد في هذه المرحلة من عمر الوطن).

* * *

السطور السابقة نشرتْ في إحدى نشرات (الجنادرية) في دورتها الخامسة والعشرين المنتهية مؤخراً، وذلك من خلال استطلاع أجرته أسرة تحرير النشرة حول ما يراه المثقفون في الجائزة المعلن عنها (كمفاجأة) لجنادرية هذا العام.

والواقع أنني، حين كتبتُ هذا الرأي استجابة لاستطلاع ضمّ كلمات لعدد من المثقفين السعوديين، كنتُ -ولا أزال- خارج المملكة؛ وحتى إذا كنتُ في الرياض فأنا لم أزر الجنادرية ولم أحضر فعالياتها ولم ألتق بضيوفها (في الفندق المعتاد) منذ زمنٍ يقارب عشر سنين.. لأسباب كنتُ قد كتبتُ عنها في حينها، تتعلق بالدعوات والضيوف والأمسيات (الشعرية تحديداً) المقامة ضمن فعاليات المهرجان.

غير أنني الآن، بخاصة في هذا العام، قرأتُ -عن بعد- مقالات كثيرة تتحدث عن النقلة الكبرى والتطور النوعيّ الهائل والمدهش الذي حدث للمهرجان، حتى إنني تمنيتُ لو كنتُ حاضراً ولو في الهامش..!

كذلك كنتُ أتوقع، حين طُلب مني أن أقول رأيي (بخصوص الجائزة المعلن عنها)، أن أقرأ من الآراء -المشاركة في الاستطلاع- ما يؤيد ويدعم وجهة نظري، أو حتى يتجاوز ما ذهبتُ إليه، لأنني كنتُ أدرك أن استطلاعاً كهذا سيكون المادة الأبرز لإحدى نشرات الجنادرية المطبوعة (العدد رقم 12).. غير أنني فوجئتُ بأن جميع الكلمات المشاركة -وهي لأحد عشر مثقفاً من مختلف الطبقات والاتجاهات- كانت لا تقول شيئاً سوى الثناء والمديح والشكر ولا شيء آخر البتة!.. ربما لأن (النشرة) مطبوعة توزع يومياً على ضيوف المهرجان، وليست مكاناً مناسباً لمثل هذا الطرح المليء بالتمنيات.

وعلى ذلك أقول هنا: طبعاً المديح والثناء والشكر حق واجب لمشروع الجائزة، ولكنّ العجلة حين تدور تكون بحاجة للمديح مرادفاً للإضاءة على الخطوات المرتقبة تالياً.. فكثيرٌ من الخطوات توقفت مكانها لأن المديح كان يقول لها ما لا يمكن أن يقال لما بعدها، وهذا -برأيي- مكمن التأخير لعدد غير قليل من الخطوات المنتظرة ثقافياً.

نعم نرحب بالجائزة (العالمية - للتراث والثقافة) ونتوجه لمانحها اسمه (الملك عبدالله بن عبدالعزيز) -حفظه الله- بمزيدٍ من المديح والثناء والشكر والتقدير، وفي الوقت نفسه.. وفي السياق نفسه، نذكِّر بالنواحي الأخرى (الثقافية - المحلية) وننتظر عدداً من الخطوات المأمولة في التنمية الثقافية الطموحة لبلادنا، لعل أوّلها إنشاء مراكز رسمية (متطوّرة) للدراسات والبحوث -خارج إطار الجامعات- يُعتمد عليها في الأخذ بالتوصيات وتقديم الترشيحات المنصفة للإنجازات الفكرية الثقافية (المتميزة) التي لا تقوم إلاّ بمجهودات ذاتية لأفراد وظفوا كلّ طاقاتهم من أجل تسجيل إضافات (إبداعية) سيخلدها التاريخ لصالح كياننا السعوديّ.. فمجالس الأمناء ولجان التحكيم للجوائز، وحدها، لا يمكن أن تتابع كل شيء.. إنما هي - فقط- تنتظر الترشيحات، وبمثل هذه الآلية قد نصل إلى مرحلة نكرِّم فيها المكرَّمين (اعتياداً) ونتجاوز (إغفالاً) عن المتجاوزين (تفوّقاً).

نعم نعتزُّ بتقديم جوائز عالمية يسعى إليها مثقفون من كلّ أنحاء العالم، وفي الوقت نفسه نريد عودة جائزتي الدولة (التقديرية والتشجيعية).. وإذا خرجنا عن إطار الجوائز والمحفزات، سنقول بهمسٍ: نريد للمبدعين أن تطلق أسماؤهم على الشوارع (أو الحارات التي يسكنونها) بدلاً من بعض الأسماء التي لم تضف شيئاً لعصورها فكيف بعصرنا؟!، ونريد نظاماً يكفل للمحترفين من الأدباء (الأفراد) تأميناً يكفيهم في أزماتهم المعيشية والصحية (وليس تفرّغاً للموظفين منهم فحسب)، فالأدب وحده -من دون المهن- يستنفد عمر الأديب ويهضم مستحقاته مادام حياً..!.

ونريد كذلك، للأدب السعودي، أن يكون المادة الأبرز منهجياً في النصوص المدرسية -ولا يبقى على استحياء وكأنه قاصرٌ أو مقصِّر-.. ونريد قبل هذا كله، ومن أجله، تأسيس جهاتٍ تعمل بجهدٍ وصمتٍ على متابعة كلّ النقاط الثقافية في العالم بالرصد الشامل وإعطاء التقييم الحقيقيّ لكلّ مُنجزٍ ثقافيّ (سعوديّ) يشكّل دفعةً تحفر عميقاً أو تحلّق عالياً.

فهل كثيرة هي هذه التطلعات؟.. قد يطرح سؤالاً كهذا من لا يعلم بالمسافات البعيدة، الشاقة، التي قطعتها ثقافتنا (السعودية) في أزمنة قياسيّة وأجواء استثنائية (تُضرب بها الأمثال) محدثةً تقدماً أصبح حديث المجتمعات الثقافية في كلّ العالم.. ولم يحدث ذلك مجاناً، إنما بأثمان باهظة دفعها مبدعون ومثقفون (فرادى أو جماعاتٍ) مسخّرين كلّ طاقاتهم وأعمارهم من أجل تحقيق تلك الأهداف النبيلة.. فحين تتلاقى أهدافهم مع أهداف (ولاة الأمر) ممثلة بأكبر رجل في البلاد -أطال الله في عمره- أليس من الجدير بنا أن نضع على طاولته الكريمة كل هذه التطلعات، وأكثر..؟!.

إنها ليست أحلاماً، بل هي بعضُ أشياء على أرض الواقع في معظم البلدان المتقدمة ثقافياً (عربياً وعالمياً).. وفي بلادنا أيضاً، ولكن بشكل غير معمم.. نظراً لاختلاف الجهات التنفيذية المختصة؛ لهذا سنظل ننتهز كلّ فرصة للتمني على أعلى مستوىً.. مترقبين صدور توجيهاتٍ سامية كريمة، طالما أن الأهداف -والنوايا- (الثقافية) واحدة.

* f-a-akram@maktoob.com *بيروت
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة