نقول شيئًا وندري في طويتنا
أنا عثرنا وأن القول لم يُقل
البيت السابق للشاعر العراقي عبدالرزاق عبد الواحد، وفيه إشارة إلى المأزق الوجودي والشعوري والشعري أيضًا الذي كثيرًا ما أحس به الأدباء أمام قدرة نصوصهم على التعبير الذي يوازي قوة التجربة وعمقها. هذه المسافة بين النص والواقع تُعدُّ واحدة من أكبر المآزق والمخاوف والشكاوى التي يواجهها ويعاني منها عدد كبير من الكتّاب والشعراء، والتي عبّروا عنها إما في نصوصهم أو مذكراتهم أو حتى في أحاديثهم ومقابلاتهم الصحفية.
وإذا كانت الشكوى أعلاه تتمثل في الإعلان عن عدم محايثة النص ومقاربته جماليًا وشعوريًا لفداحة التجربة أو عمقها واقعيًا, فإن مسافة أخرى أو مأزقًا آخر يظهر فيما سماه (بينوا دونيس) وهو يتحدث عن الالتزام في الأدب ب(هوس التأخر). إنه إذا كان الالتزام (وفق رؤية سارتر) يقوم على أساس أن الكاتب يصدر عن وعيه بتاريخيته, وأنه يعرف أنه يعيش في زمن معين يؤثر في وعيه, ويحدد إدراكه للأشياء؛ ولذا تتطابق هذه الرؤية مع اضطلاع الكتابة بمشروع تغيير العالم؛ ولذا - ووفق سارتر أيضًا - حتى ينجح الأدب في أن يكون مشروعًا حقيقيًا لتغيير الواقع يجب على الكاتب أن يكتب من أجل الحاضر الراهن, وألا يغيب عنه شيء من عصره.
ومن هنا يأتي الحديث عن مأزق الراهنية؛ ولذلك ظهرت عناوين لمنظري الالتزام وكُتّابه تركّز على مصطلح الراهنية والراهنيات. ومن هذه الإرادة في الانخراط في العصر وفي الحاضر خُلق ما سماه (بينوا دونيس) ب(هوس التأخر). وهي مسألة تكشف عن علاقة الكاتب الملتزم بالكتابة؛ حيث إن الكاتب يعيش قلقًا فحواه أن النص يصل دائمًا متأخرًا أكثر من اللازم؛ لأنه متفاوت زمنيًا قياسًا إلى الحدث الذي يلتقطه, فيضيع في تلك المسافة جزء من فعاليته وسبب وجوده(1).
وقد وضح (دونيس هوليبي) كيف ترك (سارتر) روايته (سبل الحرية) غير مكتملة, وتخلى عن مشروع كتابتها؛ لأنه لم يعثر على التقنية الروائية التي تقدر على «أن تعيد للحدث طراوته.. والتباسه وعدم توقعه».(2) ومن هنا يكشف (بينوا دونيس) عن أزمة الأدب الملتزم بسبب كونه منذورًا لبطلانٍ سريع؛ فالراهن والزمن الذي يمر والعالم الذي يتغير.. يحدد بطريقة ما تطلُّع هذا الأدب إلى الحياة.. والكاتب الملتزم يرفض أن يكتب من أجل الأجيال القادمة(3).
و(سارتر) نفسه كرر الحديث عن هذه النقطة بالذات، وهذا الأمر يُشكِّل نقطة محورية في النظرة إلى الالتزام؛ لأن إدماج الأدب بزمن محدد الأبعاد شديد الالتحام بواقع الناس وخضم جدله, ويُمثل قطيعة مع بعض مفاهيم الحداثة كالتي طرحها (بودلير) في مقولة (تأبيد العابر).
1- بينوا دونيس، مقالة معنى الالتزام، ترجمة محمد برادة.
2 - المصدر السابق.
3 - المصدر السابق.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة 7845 ثم أرسلها إلى الكود 82244
الرياض
Rafef_fa@maktoob.com