Culture Magazine Thursday  15/04/2010 G Issue 306
أقواس
الخميس 1 ,جمادى الاولى 1431   العدد  306
 
من وحي قصيدة (سيدتي السبعون) للشاعر غازي القصيبي

ماذا تريد من السبعين يا رجل؟!

لا أنت أنت.. ولا أيامك الأول

لماذا يا عزيزي عفا الله عنك وعافاك، رمزت للسبعين بأنثى مستبدة، تشيح بوجهها عنك، وتعاتبك، إن بلغتها ووصلت إليها ولم تسامرها وتداعبها، بل وصل بك الأمر لأن تعترف أنك لم تفرح حتى بمقدمها، وتشير لذلك بالبيت:

أواه سيدتي السبعون! معذرة

إذا التقينا ولم يعصف بي الجذل

أية سيدة في الدنيا تقبل اعتذارك هذا، يا ساحر الكلمة، أنت يا من تغازل النجوم, وتهمس عشقاً حتى للجسور (ضرب من العشق لا درب من الحجر) إلا أن التوضيح جاء في البيت الذي يليه بذرائع مقبولة إلى حد ما:

قد كنت أحسب أن الدرب منقطع

وأنني قبل لقيانا سأرتحل

فيوضح سبب غمك وتجهمك عليها، لا لأنها ليست جميلة، أو أنك لا تريدها، بل لم يدر بخلدك أن تلتقيها، أو يجمعكما مكان وزمان، ولذا لم تحسب لهذا اللقاء حساباً ولم تتهيأ وتتجمل وتستعد له، فعز عليك أن تلتقيها في الهيئة التي تقابل بها سائر الناس، فكان عذرك هذا أخف وطأ عليها من عدم سرورك بلقياها.

ثم.. عزيزي.. أيها الشاعر المتجني على السيدة السبعين، هاؤم أولئك الذين التقوا بالسيدة الثمانين والتسعين، ينعمون معهما بأيام جميلة، وصداقة حميمة، وأنت تنفث في روع السبعين بأنها الجانية المتسببة في ما أنت عليه من يأس، وتطرح أمامها العلل لتوهمها بأنها جالبتها إليك، وتلفق إليها تهماً هي منها براء، وتلقي عليها باللوم لرحيل أحبابك، وتظن بأنها السبب في أنهم تركوك وغادروا وخلفوك تقتات الملل.

وبعد أن أتخمتها بالخطايا، وأثقلت عليها بالذنوب والرزايا، تعود وتربت على كتفها وتوشوشها بأن هذه إرادة الله سبحانه (تبارك الله ! قد شاءت إرادته)

ثم تسهب في الحديث عن سبب عدم فرحتك بلقائها، حيث لم تهيئ شيئا من أدوات الاحتفال وتعتذر لعدم توفر الهدايا والورود والشموع، ثم تدعي بأن حدائق العمر شابت وخيم اليأس عليها:

أوّاه! سيدتي السبعونَ! معذرةً

بأيِّ شيءٍ من الأشياءِ نحتفل؟!

أ بالشبابِ الذي شابتَ حدائقُهُ؟

أم بالأماني التي باليأسِ تشتعلُ؟

وما أدراك عزيزي... فقد يشاء الله، وينزل عليكم العافية، وإذا بحدائق العمر، تجدها اهتزت وربت، وإذا بالأمل يشتعل، وينبت قلم القصيبي روائع من كل فن بهيج.

من أجمل ما قيل في القصيدة على الإطلاق، في نظري هذه العبارة (فهذا العبد ممتثل) والله لقد أشجيت وأبكيت في البيت:

تبارك الله ! قد شاءت إرادته

لي البقاء فهذا العبد ممتثل

قمة التسليم والخضوع لله، منتهى الانقياد لمشيئته، سما شاعرنا في سماء الخضوع والتسليم، متمثلا ما يمليه القدر، ومترفعا عن كل رغبة..

لا أدري لماذ استحضرت الآية التالية وأنا أقرأ البيت السابق، قال تعالى: (إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ، فَانظُرْ مَاذَا تَرَى)..

الآية (انظر ماذا ترى) ما أجمل رد القصيبي (هذا العبد ممتثل) فمهما يكون المصاب عظيماً، فالصبر عند الأقوياء أمثاله أعظم.

ذكرتني يا معالي الوزير بالبيت:

سأصبر حتى يعجز الصبر عن صبري

وأصبر حتى ينظر الله في أمري

يختتم شاعرنا المبدع قصيدته بالبيت:

واللهُ يعلمُ ما يلقى.. وفي يدِه

أودعتُ نفسي.. وفيه وحدَه الأملُ

فمهما بلغت شدة الألم وإن تقطعت السبل، وضاقت الحيل، يبقى الأمل بالله وعفوه ورحمته شعاعاً يملأ القلوب ويحيي النفوس، فتهون كل نازلة، ويصغر ويتقهقر الخطب الجلل.

نورا العلي - القريات
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة