إبراهيم عبدالله العمار
«احذر! هذه علامات السرطان!»
«هل بيتك آمن من اللصوص؟»
«يجب أن تعرف أعراض النوبة القلبية!»
«أمارات الزهايمر! هل هذه الأعراض لديك؟»
من يتابع الإعلام فسيلاحظ عناوين أخبار مثل هذه.. عناوين تجذب انتباهك فوراً لأنها تخوّفك من شيءٍ ما.. أمراض معينة.. جنسيات معينة.. أحداث معينة. هذه لا يكاد يخلو منها أي وسط إعلامي حول العالم، وقد أتقنها الغربيون خاصة، فمن يتابع الإعلام الغربي سيجد التخويف من كل شيء، وهذا التخويف في الصحف والتلفاز والإنترنت والمذياع، وقد تأثر غير الغربيين بهذا فصاروا يقلدونهم، لذلك سترى دائماً أخباراً تخوّفك من السرطان وأمراض القلب والمخ والكثير غيرها، حتى صار بعض الناس مرعوبين منها، وهم بعيدون عن هذه الأمراض وليسوا ممن يحتمل إصابتهم بها. وترى التحذير من اللصوص ومن يريدون اقتحام منزلك حتى خاف الناس وبالغوا في التحصن. وترى الترهيب من أناس ذوي جنسيات معينة حتى صار الشخص الذي لم يتعامل معهم كثيراً يخافهم ويتجنبهم. هذه الأنماط من التخويف لا تتوقف أبداً.
هنا السؤال: لماذا؟ لماذا الكثير من الإعلام يحب العناوين والأخبار المقلقة المخيفة؟ السبب: المال.
«تجارة الخوف» .. إذا خوّفوك من أنواع الأمراض فأول شيء يأخذونه منك: اهتمامك. المخ صمّمه الله تعالى بحيث ينتبه فوراً للأشياء السلبية التي فيها خطر على الإنسان، وهذه من نعم الله علينا لكي نحمي أنفسنا، وفي التجارب تفاجأ العلماء أن المخ ينتبه لإشارات الخطر بسرعة عظيمة، فإذا قرأ المخ خبراً عنوانه: «السلام العالمي يمكن تحقيقه» فلن يهتم كثيراً، ولكن عنواناً فيه كلمة سلبية مثل «حرب» و «قتل» يمسك الانتباه فوراً رغماً عنك.
بعد أن يأخذوا انتباهك فهم يأخذون مالك، ذلك أن الشخص الذي يتابع هذه الأمور يبدأ يقلق فيستمر في متابعتها حماية لنفسه وأهله، فيتابع مثلاً أخباراً عن سرقات أو جرائم أخرى، ويشتري الصحيفة أو يضغط على رابط الموقع (وكل ضغطة فيها بعض المال لهم)، وهكذا أخذ هؤلاء بعض مالك.
بعد الإعلام تأتي الشركات الأخرى التي تستفيد من خوفك المبالغ فيه، مثل شركات الأدوية والمكملات الغذائية، فإذا ظهر على الشخص أي عَرَض بسيط لا يعني شيئاً ذعر وهب مسرعاً للطبيب، والذي لا يرى فيك بأساً، لكن رغم ذلك ربما يصف لك فيتامينات أو مكملات أو أدوية «احتياطاً»، وأنت لا تحتاجها. أو مُطهِّر أقوى من غيره «ليحميك» من الجراثيم التي تعجز عنها المطهرات الأخرى – كما تزعم الشركات الصانعة -. أو مكنسة كهربائية تشفط الغبار والكائنات غير المرئية من الوسائد والأثاث «لتحميك»، إلى ما لا نهاية. الكل يحاول أن يوجد شيئاً يخيفك.
بعد هذا تأتي تجارة أخرى: تجارة الطب النفسي في الغرب خصوصاً والعالم عموماً، فكثرة التخويف من الأمراض مثلاً جعلت بعض الأصحاء يخافون أنهم مصابون بأمراض القلب أو الزهايمر أو السرطان إلخ، وبعضهم يشتد معه القلق رغم أن التحاليل تظهر أنهم أصحاء، فيلجأون للطب النفسي، والكثير من الأطباء النفسيين – في الغرب خاصة – تحت سيطرة شركات الدواء ذات النفوذ الهائل، فيصفون أدوية القلق والاضطراب وغيرها لهم.. وهم لا يحتاجونها.
إنها تجارة الخوف.. تجارة معدومي الوازع الديني والضمير ممن يقتاتون على تخويفك بلا داعٍ ويتبسمون إذا رأوك مرعوباً مذعوراً ليأخذوا مالك. احذرهم.