فهد بن جليد
يندر أن يتفق السياسيون حول شخصية واحدة، مثلما فعلوا عند رحيل الأمير سعود الفيصل - رحمه الله - فردود الفعل العربية والدولية تكاد تجمع على أن الخسارة (طالت الجميع) بفقدان شخصية سياسية صادقة، و مُتفانية، وواضحة، ومُتزنة، ولا تعتمد على الأساليب المُلتوية لتحقيق المصالح!.
عُرف الفيصل بالدهاء، والهمّة العالية، والذكاء، والحنكة، والخبرة الطويلة في السياسة الهادئة، ليحقق للمملكة طوال أربعة عقود نجاحات سياسية مُتزنة، حققت مصالح (قبلة المُسلمين) و (بيت العروبة) للم الشمل العربي، وتوحيد الصف، وتفويت الفرصة على أعداء الإسلام والعروبة، كانت فيها سياسة المملكة (صمّام أمان) و(سدّاً منيعاً) في وجه تلك الأزمات والمُتغيرات السياسية التي مرت بها الأمة، والعالم أجمع!.
لم ينزلق الفيصل بسياسة المملكة إلى المُهاترات، ولم يتورط أو يُورط بلادنا في سياسات متهورة، تعتمد على المراوغة الكاذبة أو الوعود الزائفة، بل كانت السياسة السعودية - وماتزال - بفضل مدرسته التي استمدها من قادتنا (طوال العقود) الماضية، سياسة واضحة وثابتة، ذات مواقف مُتزنة، تعتمد على تحقيق المصالح السعودية أولاً، ولا تُغفل المصالح العربية والإسلامية مع جميع الأطراف الدولية!.
لم يكن سعود الفيصل يعمل كوزير خارجية (عادي) للمملكة العربية السعودية فحسب، بل كان مُهندساً ومرجعاً، وكبيراً للسياسيين والدبلوماسيين الخليجيين، والعرب، والمسلمين، وحتى الدوليين بشهادة الجميع، لما يملكه - رحمه الله - من خبرة طويلة، وفهم لدهاليز السياسة، وبحورها، ومعرفة بخارطة العالم وما يدور فيه؟!.
شخصية الأمير سعود الفيصل استثنائية، ومُختلفة، فقد كان يفضل أن تتحدث الإنجازات والاتفاقات والمواقف على أرض الواقع، بدلاً من (التصريحات الرنانة) التي يُطلقها وزراء الخارجية عادة، بل كان لا يتحدث إلا عندما يكون هناك جديد يستحق أن يوضحه، أو لحضور ضيف ليُبين ما تم، وفي المؤتمرات الصحفية التي كنا نحضرها له كإعلاميين، كانت نظرته إجابة، مثلما أن كلمته إجابة، بل إن صمته أو ابتسامته هي الأخرى كانت إجابة، نعيد تذكرها أكثر من مرة لفهم معناها؟!.
رحمك الله يا (سعود الفيصل)، ووسع مدخلك، وجزاك عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، اليوم نودعك جسداً، ولكن (سياسة سعود) و(مواقفه الكبيرة) ستعيش معنا، مدرسة نتعلم منها الكثير.
وعلى دروب الخير نلتقي.