إبراهيم عبدالله العمار
أنت جالس تنتظر، على وشك الدخول لمقابلة شخصية لوظيفة. «تفضّل»، تقوم وتدخل الغرفة، ترى المقابِل، تمد يدك وتصافحه، وتجلس.
هل رأيت ما حصل؟ قد تظن أنها مجرد مصافحة لكنها أهم بكثير: لقد أعطيته الانطباع الأول. المصافحة من الانطباعات الأولى التي في حوزتك، وهي قديمة في تاريخ البشر، فأول تصوير للمصافحة وجِد في لوحات مصرية عمرها 2800 سنة قبل الميلاد. المصافحة دائمًا باليمين، وحتى في القِدم كانت كذلك. لكن لماذا المصافحة باليمين هي الشائعة حتى عند الشعوب الشرقية والغربية؟ إن اليد اليمين هي التي تحمل السلاح، لذا كانت المصافحة أمانًا لمن أمامك وأن الخطر زال بما أنك غير حامل سلاح. في عصر الرومان كان الشخص إذا أراد المصافحة يمسك المنطقة التي قَبل المِرفق وليس اليد، وذلك للتأكَّد من عدم وجود خنجر. فرسان القرون الوسطى زادوا الاحتياط الأمني بأن أمسكوا الذراع ثم هزوها بقوة ليحركوا ويُسقطوا أي أسلحة مخفية، وهكذا ولدت المصافحة، وبالرغم من أنها أكثر طريقة انتشارًا للسلام بين البشر إلا أن الكثير لا يدرك أهميتها، فهي من أهم الانطباعات الأولى التي نعطيها غيرنا. لماذا الانطباع الأول مهم؟ لأن الناس يحكمون على الشخص من أول نظرة. هذه حقيقة. الناس يحكمون على الذكاء، والمستوى الاجتماعي والاقتصادي، والثقة التي تستحقها، والكفاءة، من أول انطباع. هذه تحصل في ثوانٍ ولكنها تمكث سنين. السبب: الناس يفضلون أن يكونوا محقين على أن يغيروا آراءهم. تغيير الانطباع عنك هو تغيير للرأي. الشخص يبحث عن أدلة فيك تبرهن أن نظرته الأولى صائبة. كل شيء تفعله أو تقوله بعد ذلك يمر عبر ذلك المنظار، وإذا كان طيبًا فلصالحك. السبب الثاني لإصرار الشخص على الاحتفاظ برأيه من النظرة الأولى هو أنه غالبًا محق! أن تجارب في جامعة تكساس وجدت أن الناس أصابوا في تقييم 9 من 10 خصال في الشخصية بمجرد النظر لصورة واحدة، منها خصال الانفتاح، والمصارحة، والضمير، واللطف، والاستقرار المشاعري، والشخصية المحبوبة، وتقدير الذات، وغيرها. نظرة لصورة واحدة لشخص جعلتهم يكوّنون فكرة صحيحة عن كل هذه التسع وأكثر! الكثير من الرؤساء التنفيذيين ومسؤولي التوظيف والموارد البشرية يُقرّون أنهم يتخذون قرارهم عن طالب الوظيفة من أول عدة ثوانٍ. يقول أحدهم: بقية المقابلة مجرد مظهر ورسميات، فقد كوّنت رأيي من أول ثوانٍ. أهم عناصر الانطباع الأول: اللباس، ولغة الجسد. أولاً، الملابس مهمة. أحدهم يقول: قلتُ نفس الرأي في يومين في مكان عملي، في اليوم الأول كنت ألبس شيئًا عاديًا وفي الثاني لباسًرسميًا، وفقط في اليوم الثاني حصل رأيي على احترام وقبول بينما في الأول لم يكترث أحد لسماعي حتى اللباس الجيد والمناسب ضروري.
العنصر الثاني وهو لغة الجسد رأيناها كثيرًا في هذا العمود خاصة من كتاب «ما تقوله الأجساد»، ورأينا أن اللغة الواثقة هامة بينما حركات الجسم التي تنبئ عن الضعف والتردد والانغلاق تعطي انطباعًا سيئًا، لكن هنا سأركز على ما افتتحت به المقالة: إن خبراء الإدارة في جامعة أيوا حللوا التفاعلات بين الناس في المقابلات التوظيفية ووجدوا أن المصافحة أهمها: فقد كانت أهم من لطف الشخص، ومن ضميره، ومن الاستقرار المشاعري. وجدت دراسات أخرى أن المصافحة الجيدة تُحسّن التفاعل بين الاثنين وتثمر ثقة وتقاربًا أكبر في ثوانٍ قليلة.
احرص على مراعاة هاتين النقطتين، وكما يقولون: لديك فرصة واحدة فقط لتترك الانطباع الأول.