عبدالعزيز السماري
مع توالي تفجير الأجساد المفخخة بالمتفجرات في العالم ترتفع نبرة إعلامية عالمية ضد السلفية، وأحياناً تختزلها بعض وسائل الإعلام في التطرف السلفي الوهابي. وقد ينجحون في المستقبل في تكوين جبهة عالمية تكافح التطرف السلفي، ليس فقط في الميادين العسكرية في داعش وطالبان، ولكن في ساحات الإعلام ومناهج التعليم. ومن خلال إجراء بحث على أحد محركات عالم الإنترنت عن «التطرف السلفي» يصل المرء إلى تلك القناعة؛ فالنبرة العالمية تزداد تطرفاً ضد السلفية بعد كل انفجار في مكان آمن.
ما يحدث الآن من تصعيد من الجبهات السلفية المتطرفة ضد بقية العالم قد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، وقد نواجه حصاراً على مختلف الأصعدة إذا لم يدرك بعض الوعاظ وعلماء الدين خطورة ما ينشرون من أفكار متطرفة ضد الحياة في العالم. ولن نحتاج إلى جهد؛ فبيانات المشايخ التي تخرج بين وقت وآخر تفضح فهمنا المتطرف للدين. والغرب كان له سوابق في مكافحة التطرف في المسيحية كما حدث في ألمانيا وصربيا، عندما وصل التطرف إلى تهديد الاستقرار في أوروبا الغربية.
نحن نعاني من الفهم المتطرف للدين، ويجب أن لا نهرب من هذه الحقيقة المؤلمة؛ فقد عانينا محلياً من الخطاب الديني المتطرف من السبلة إلى جهيمان، ومروراً بالقاعدة، وأخيراً داعش وما تمثله من رمزية للفكر التكفيري المتطرف والدموي. والفهم المتطرف للدين ثقافة محلية لها جذور، ولا يجب الهروب من مواجهتها. ويظهر ذلك في التشنج الذي يصاحب بعض برامج الفتاوى، وما تصدره من تحريض ضد الإعلام ومختلف أوجه الحياة في المجتمع.
نحن نعاني من الفهم المتطرف للدين، والدليل أن مختلف المبادرات الوطنية، سواء في تعليم الإناث وبرامج الابتعاث وافتتاح قنوات الإعلام وافتتاح البنوك، واجهت التحريم، ولا زالت نشاطات الحياة الاجتماعية والعملية، سواء في الأسواق أو المستشفيات أو الإعلام، التي نمارسها الآن محرمة في فتاوى علماء الدين، وتُستخدم من قِبل بعض الوعاظ في شحن عقول الشباب الصغار ضد المجتمع من أجل تفجير أجسادهم للوصول إلى جنة الخلد في أقل جهد ممكن.
نحن نعاني من الفهم المتطرف للدين، وليس صحيحاً أننا نعاني فقط من الخلايا النائمة، فأيديولوجيا التطرف تسيطر على نسبة غير قليلة من العقول، ويظهر ذلك في سلوك اللامبالاة، وفي مواقفهم من ثقافة العمل، وفي ترديدهم لفتاوى التحريم لمختلف أوجه الحياة، وإن كان سلوك الشخص الاجتماعي يخالف ما يردده من تطرف في مسلّماته الذهنية، وكأنه بذلك مهيأ للنكوص إلى التطرف والمشاركة في تفجير المجتمع.
نحن نعاني من الفهم المتطرف للدين، ونكاد نخوض معارك شبه يومية مع ذلك الفكر، سواء من خلال التفجير الدموي للآمنين، أو عبر خطاب التشنج في وسائل الإعلام. ووجه الخطورة أن نبرة التحدي والعداء تزداد كل عام مع ازدياد الانفتاح الاجتماعي والإعلامي، ويؤدي بعض الوعاظ المحسوبين دوراً كبيراً في إشعالها، ووجه الغرابة أنهم يستخدمون المنابر الإعلامية المنفتحة على مختلف الثقافات للهجوم على الحرية والتسامح.
نحن نعاني من الفهم المتطرف الدين، والدليل أننا أكثر مجتمع مصدر للفتاوى في التاريخ، وقد اشتهرت فتاوى التطرف بمتلازمة التحريم، التي تدعو للانغلاق والانكفاء خلف سواتر عالية من الفكر المتجمد الذي يرفض مشاركة بقية العالم في إثراء الفكر الإنساني بالإنجازات والإبداع، ويختار أن يعيش وحيداً خلف الأبواب الموصدة، ومسجوناً في زنزانة المشاعر العدوانية لكل جديد.
نحن نعاني من الفهم المتطرف للدين، الذي وصل إلى ذروته في التفجيرات التي تهدد الوحدة الوطنية من خلال إذكاء الصراع الطائفي في الوطن، ويظهر ذلك في تفجير مساجد الشيعة، ومحاولة زرع التفرقة والصراع الأهلي بين المواطنين، وهو ما يعني أن الوطن يمر بحالة مصيرية أمام هذا الفهم المتطرف الذي لم يتوقف عن تصدير التهديد المستمر للوحدة الوطنية منذ انشقاق الإخوان في السبلة.
نحن نعاني في هذا الزمن أكثر من أي وقت مضى من الفهم المتطرف للدين، الذي وصل عداؤه إلى الخارج، وإلى تهديد الأمن العالمي، وسيكون التطرف السلفي بسبب تصدير الثورة الدموية للخارج محل اتهام، وقد نعاني أكثر بسبب التوجه العالمي لتجريم التطرف السلفي إذا لم نتحرك لتعديل ذلك الفهم المتطرف للدين في العقول.
في الوقت الحاضر، وقبل فوات الأوان، نحن أيضاً في أمس الحاجة إلى ظهور علماء دين تنويريين، يقودون راحلة الانتقال من الفهم المتطرف إلى الفهم المتعدد والمتسامح للدين الصحيح. والله على ما أقول شهيد.