في صيف 2012 الموافق 1433 بدأ التلازم الحقيقي بيني وبين قانون الشركات السعودي وذلك عندما بدأت مرحلة الدكتوراه في بريطانيا وتحديداً في جامعة لانكستر في بحثي المعنون (انقضاء الشركات - دراسة مقارنة بين القانون السعودي والقانون الإنجليزي في ضوء الشريعة الإسلامية).
وكما هو معروف أن لكل نتيجة أسباب، ومن أسباب هذا التلازم كلمة قالها لي الشيخ صالح الحصين الرئيس السابق لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف يرحمه الله تعالى عندما استشرته عن المفاضلة بين التخصص في مجال القانون أو الفقه فقال لي: إن القانون هو الفقه الحديث فقلما أن تجد أحداً في عصرنا الحالي يتعامل بأسماء الشركات التي ذكرها فقهاؤنا الكرام في كتبهم كشركة العنان والأبدان ونحوهما، بل إن السائد في عصرنا هي الشركات التي سنها القانونيون كشركة التضامن وذات مسؤولية محدودة ونحوهما فهي المنبغي أن يعتنى بها، ومن الأفضل لو تم دراستها عند من جاءتنا منه. فأخذت بالمشورة وبدأت الرحلة. في بداية الدراسة اكتشفت فارقاً مهماً في العلاقة التعاقدية في التنظيمات التجارية في القانون الإنجليزي وكذلك في أغلب القوانين التي تتبنى القانون الأنجلوسكسوني. وهذا الأمر يُشكل على كثير من الناس حتى على بعض المتخصصين. خاصة من كانت خلفيته القانونية من البلاد العربية.
فعند المقارنة بين الشركات في القوانين العربية والقوانين الإنجلوسكسونية تجده يُطلق على أغلب التنظيمات التجارية بأنها شركات (companies) ويعطيها أحكامها ولا يفرق بين الشركة والشراكة (company and partnership) . وذلك لأنه انطلق من خلفيته القانونية لا من حقيقة المعنى المراد في القانون المقارن به. وهنا يكمن الإشكال!! فلكل قانون أصوله ومفهومه ومبادئه. زاد من عزمي على كتابة هذه الأحرف أني اطلعت على بحث كُتب للحصول على مرحلة الدكتوراه بعنوان حماية الأقليات المساهمة دراسة مقارنة بين القانون الإنجليزي والقانون السعودي يظهر أن كاتبه لم يتنبه للفرق بين الشركة والشراكة company and partnership) (في بداية بحثه ولم يستصحبه معه في أثناء البحث. فأدى ذلك إلى عدم الدقة في النتائج التي توصل إليها.
وذلك أن القانون الإنجليزي يقسم التنظيمات التجارية إلى قسمين هامين الأول: partnership والترجمة الحرفية لها (الشراكة) وهي التنظيمات التجارية التي ترتبط بالشخصيات التي أنشأت الشراكة والتي تقوم على الاعتبار الشخصي والقة المتبادلة بين الشركاء. وهي التي سماها نظام الشركات السعودي بشركات الأشخاص وهي شركة التضامن، والتوصية البسيطة وشركة المحاصة. هذا النوع يتعامل معه القانون البريطاني على أنه مختلف تماماً عن الشركة (company) بل جعل للشراكة (partnership) سماتا خاصة وقانونا مستقلا عن قانون الشركات) Companies Act (وسماه) Partnership Act 1890 (. ومن أهم السمات العامة للشراكة partnership) (في القانون الإنجليزي هي:
1 - المسؤولية التضامنية بين الشركاء وعدم محدوديتها، 2 - كما أنها ليس لها كيان قانوني مستقل، 3 -ولا يشترط تسجيلها بشكل رسمي. إلا أن السمتين الأخيرتين لا يتبناهما النظام السعودي فلشركات الأشخاص فيه كيان قانوني مستقل ويشترط تسجيلها بشكل رسمي باستثناء شركة المحاصة.
إلا أن أهم سمةٍ تفرق بين الشراكة والشركة) partnership and company ( هي المسؤولية التضامينة بين الشركاء وعدم محدوديها.
هذا الفارق لابد أن يستحضره كل من رغب الخوض في المقارنة بين قوانين الشركات في الدول العربية مع قوانين الشركات في الدول الأنجلوسكسونية لتسلم له نائج المقارنة. وإلى فارق آخر في مقال آخر..... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إسحاق بن إيراهيم الحصين - قسم الأنظمة في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
toishaq@gmail.com