عبدالعزيز السماري
تُصنَّف الإدارة ضمن العلوم الاجتماعية، وليس كأحد تخصصات العلوم الطبيعية، لذلك تتأثر أساليب الإدارة الحديثة بتقاليد المجتمع، وأحياناً تتلوَّن حسب ثقافة المجتمع، وسأتناول التحديات التي تواجه إدارة المستشفيات، ولماذا أحياناً تنهار المؤسسة، ولماذا تفشل الإدارة في إحداث التغيير، وسأجتهد في وضع عدة عوامل تؤدي إلى فشل «المستشفى» في تطوير خدماته حسب المعايير الدولية، وتدني مستويات الرضا بين كوادره المتخصصة.
من أهم عوامل فشل الإدارة في تطوير المستشفيات، اختيار شخصيات تقليدية غير مواكبة للمتغيرات المتسارعة في عالم الطب وإدارة العناية الصحية، وعادة يتعامل المدير التقليدي مع المستشفى كإدارة مكتب خدمات حكومي، وبالتالي يتحول المستشفى من منظومة إدارية عالية المستوى إلى مكتب خاص لتقديم الخدمات حسب الأهمية، ويلجأ المدير إلى هذا الأسلوب لمحاكاة تقاليد المجتمع الذي ينتمي إليه من أجل المحافظة على منصبه، وبهذه الطريقة يختزل المدير العام مهامه الفنية لتطوير المستشفى في مهمة إدارة حملة العلاقات العامة.
من أسباب الفشل الإداري أيضاً انتقال مهمة الإدارة إلى مهام ليس لها علاقة بإدارة المستشفى الفنية والمتخصصة، ويظهر ذلك في تضخم إدارات الخدمات المساعدة، وشغلها حيزاً كبيراً من وقت المدير، مثل الخدمات الهندسية الإنشائية والاتصالات والكمبيوتر، في حين يكون الحل في تقديم هذه الخدمات بتعميد مؤسسات من خارج المؤسسة لإدارتها، وبالتالي توفير الأموال والتوظيف العشوائي الذي حوَّل المستشفى إلى أشبه بوزارة بيروقراطية، ونتيجة لذلك التضخم في الخدمات المساعدة يتحوّل الكادر الصحي إلى أقلية على الهامش، وليس لها دور في المشاركة في مهمات تطوير الخدمات الأساسية لإنشاء مستشفى.
يؤدي هذا التهميش إلى انقطاع الاجتماعات الدورية مع الكوادر الطبية، وبالتالي انقطاع الاتصالات مع كوادر المستشفى الرئيسة، ما عدا القلة التي تحظى بثقة المدير لأسباب اجتماعية، ومن علامات الانقطاع عدم اكتراث الإدارة باختلاف الأداء بين الكوادر، وإخضاع المكافأة إلى عوامل اجتماعية، وليس للتميز في مجال تقديم وتطوير العناية الصحية، وتصبح اللا مبالاة في أوضح صورها عند استقالة أطباء كان لهم أدوار كبيرة في تقديم الخدمات الطبية المتخصصة، ويظهر عدم الاهتمام في عدم استدعاء المستقيل لمعرفة أسباب الاستقالة، وغياب ممثليها عن حضور حفل توديع تلك الخبرات، وينتج عن ذلك دخول مرحلة القطيعة بين الإدارة وبين الكادر الذي تقوم عليه أهداف المستشفى وخدماته.
مع مرور الوقت تبدأ حالة التوتر بين المكتب الإداري والكادر الصحي، وتصبح العلاقة بينهما أقرب للنفور، ويظهر ذلك في ضجر الإدارة من أي طلبات لتطوير الخدمة أو لتقويمها، ومن خلال تلك العلاقة المضطربة يصبح المدير في حالة الريبة من موظفيه، وتبدأ عملية فرز للموالين وغير الموالين، ثم يدخل بعد ذلك مرحلة البيات المستمر، ويختفي المدير العام عن طرقات المؤسسة، وذلك خوفاً من المواجهة، وعندئذ يصل المستشفى إلى حافة الهاوية، وينتظر الكارثة أو التغيير.
إدارة المستشفيات تحتاج إلى خبرات لديها رؤية تطويرية للمستقبل، وذلك لأن الطب عالم متغيّر، وتحتاج إلى خبرات تتميز بقدرات تقييم النتائج وتطبيق مقاييس دقيقة للإبداع في العمل وربطها بالمكافأة، وفي حال فشل الإدارة في القيام بمهمات الإدارة الطبية الحديثة، يؤدي ذلك إلى تشتت الأهداف وفشل إستراتيجيات التطوير، وغياب العمل الجماعي، وعندها يتحوّل المستشفى العملاق إلى مؤسسة بيروقراطية لتقديم خدمات محددة، وتنهار المعنويات، وتختفي مبادرات التطوير في مجالات العناية الطبية، ويتحوّل الاستشاري المتميز إلى موظف بيروقراطي وغير مكترث بتطوير ذاته، ويؤدي ذلك مع مرور الوقت إلى تحوُّل علاقة الممارس الصحي مع الإدارة إلى علاقة غير صحية في بيئة العمل.
ختاماً.. إدارة المستشفيات ونظم الرعاية الصحية تخصصات دقيقه جداً، وتعيش باستمرار حالة ثورية إن صح التعبير، ويواجه دوماً المديرون التنفيذيون للرعاية الصحية متغيرات متسارعة لم يسبق لها مثيل في كل مجال تقريباً، وتحتاج إلى قدرات مختلفة، ولديها القدرة على مواكبة التغيير، ويؤدي الاعتماد على شخصيات تقليدية في هذا المجال إلى الركود والعجز عن مواكبة التقدم، وعادة ما تؤدي إلى كوارث في بنية المستشفى المستقبلية عندما تفشل في تقديم قيادات طبية ناجحة من داخل المستشفى، بسبب اعتمادها على المحسوبية، وذلك بسبب تعاملها مع المؤسسة كمرفق خدماتي، وليس كمؤسسة تطويرية للخدمات الطبية تعمل وفق آخر ما توصل إليه العلم الحديث، وتتطلع إلى مواكبة التقدم الطبي المذهل في العالم، والله المستعان.