د.ثريا العريض
كل موسم رمضان تهطل على المشاهد برامج مسلسلات الترفيه لتزجية الوقت، وبرامج التوعية الدينية، وإعلانات تسويقية تدعوه إلى المزيد من الاستهلاك والصرف.
وفي كل موسم تتكرر الشكوى من ارتفاع الأسعار بما في ذلك أسعار المواد الغذائية الرئيسة كالخضار واللحوم والفاكهة.
برامج التوعية الدينية تركز على العبادات والالتزام بها وحسن أدائها، ولها الشكر. وكل موسم نتذكر الشيخ علي الطنطاوي - رحمه الله - وتميز ما كان يقدمه للمتابع من نصائح حياتية بسيطة وفي الصميم. أتمنى أن أتابع برنامجاً دينياً بهذا المعنى، فلا أجد من يذكر التجار بعدم رفع الأسعار لأن الفقير الصائم يحتاج أن يؤدي واجبات يومه دون هم التفكير بلهيب الأسعار وقصور الراتب، وأن الثواب لا يضمنه فقط ما يقتطعه التاجر من دخله للزكاة بنسبة محسوبة لم تتغير منذ نزلت تعاليم الدين.. ولا بما يتطوع به من صدقة، بل تشمل أيضاً الإحساس بمعاناة الغير، والتوقف عن رفع الأسعار في هذا الشهر الفضيل على الأقل. صحيح وزارة التجارة تبذل جهدها لمنع التلاعب بالأسعار أو جودة المواد، ومع هذا تظل الأصوات تجأر بالشكوى في الجانبين.
وإذا كان بعض المحتاجين يجدون ما يخفف من ثقل المشكلة عبر برامج إفطار صائم الجماعية، أو ما توصله لهم سيارات برنامج إطعام، فإن ذلك لا يحل المشكلة بل يقدم مسكنات للعزاب والعمالة الوافدة، وليس أصحاب الأسر والعائلين.
الفئات الدنيا من المجتمع بقدر ما تحلم بثواب القيام بواجبات الصيام فهي أيضاً تهلع من معركتها غير المتكافئة مع متطلبات الشهر. وقد تحول موسم الصيام إلى موسم الاستجداء ومعاريض الاستعطاف وطلب العون من الكرام.
وبقدر ما أهيب بعد الاستجابة للمتسولين الذين يغزون الشوارع وجوار المساجد وأبواب مجمعات السوق ومحطات البنزين، وأحذر من كون الكثير منهم متظاهرين بواقع العوز من منطلق تفضيل التسول على جهد العمل الشاق، إلا أنني أتعاطف مـــع حاجة الفقير المتعفف لتحقيق أقل قدر من متطلبات العيش الكريم.
الحلقة الثامنة من مسلسل «سيلفي» هذا العام تناولت معاناة الموظف في أدنى مستوى من الرواتب مع متطلبات الحياة، حيث راتب رجل الأمن حارس البنك لا يستطيع أن يفي باحتياجاته وأسرته من الغذاء وإيجار المنزل فيلجأ إلى الاستلاف من زميله الذي لا يقل حاجة إلى المال عنه؛ حتى يصل به الحال إلى محاولة سرقة علبة حليب لإطعام أطفاله فيضبطه البائع الوافد. كدت أبكي عند هذا المقطع لمدى الإحساس بالمهانة والغبن التي جسدها وجه ناصر القصبي الممثل القدير. ولن أتطرق إلى جانب المقارنة الطبقية بين تدليل كلبة معززة ومعاناة أسرة لا يملك عائلها إلا راتب 1600 ريال.
وأشير إلى رمزية اختيار رجل أمن لبنك كبطل للحلقة. المواطن الغلبان هو في الحقيقة من يضمن أمن الوطن واقتصاده. وحين يكون هذا المواطن في مستوى المعاناة الذاتية فإن أمن الوطن في خطر.
أقترح لمقدمي البرامج في هذا الشهر الفضيل أن يتطرقوا إلى فضيلة عدم انتهاز رمضان والعيد كموسم لرفع سعار الأسعار أو بيع ما انتهت صلاحيته من السلع..
وأقترح على المدى البعيد رفع الحد الأدنى من الرواتب خاصة في القطاع الخاص؛ أولاً لمساعدة المواطنين على ضمان الحد الأدنى من ضمان متطلبات الحياة دون اللجوء إلى الجريمة. وثانياً لتخفيف الاعتماد على العمالة الوافدة غير المؤهلة بصورة تقارب الاتجار في معاناة البشر.
وأخيراً أقترح اعتماد نظام تعاونيات الأحياء الذي يتيح أسعاراً أفضل ويتيح شيئاً من المردود للمساهمين محدودي الدخل.