عبدالله باخشوين
.. ((إني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون... ايخون إنسان بلاده)).
لا أدري من أي قصيدة لبدر شاكر السياب بقي في ذاكرتي هذا ((الشطر)).. لكنها من قصائد عام 1963 وربما من ديوان ((منزل الأقنان)).. لكن ما فيها من تساؤل جريح.. أصبح الآن يدرج في إطار مفهوم رومانسي مثالي للوطن والمواطنة والوطنية.
مفهوم مثالي يريد البعض أن يقول إنه لم يعد له أي وجود بعد أن تورمت الذات الإنسانية بأنانيتها.. ووجد من يقدم مصلحته الذاتية على كل مصالح الوطن.. بل وبررها قائلاً: ((بدون خدمة مصالحي الشخصية وتحقيقها.. لن أتمكن من خدمة مصالح الوطن)).
أصبحت الخيانة.. وجهة نظر يقول بها العاجز والضعيف.. أما من: ((يروم ملكاً)) على طريقة المتنبي وأبو تمام.. فإن كل هذه الأوهام تدخل ضمن إطار المصالح المشتركة والمصالح المتبادلة.. لذلك لا داعي لـ((الكلام الكبير)) والقول بالخيانة وما أدراك ما الخيانة.. لأن ((الأمور)) كلها تطورت وأساليب تحقيق المصالح اختلفت ولم يعد كما كان في السابق.
يا سيدي العزيز أصبحت المصالح العليا.. تطبخ وتجهز في مطابخ الدول العدوة.. وكل ما عليك هو تقديمها في الطبق المناسب.
العالم أصبح يتغنى بالفردية.. ولم يعد التطور يبدأ بالعائلة وينتهي بالوطن.. لكن الطباخ الماهر هو الذي يستطيع أن يستفيد من إنتاج مزارع الأصدقاء.. ويستفيد من إمكانات مطابخ الأعداء.
والمهم هو من سيأكل الطبخة التي يتم إنضاجها.. وعلى أية مائدة ستقدم.. ولعلمك الذي سيتذوقها ويأكلها لن يكون مشغولاً بمثل هذه الأسئلة الغبية التي تدور في رأسك.
أي لن يسأل: من أين جاءت مكونات الطبخة.. وأي ((شيف)) طبخها وفي أي مطبخ.. سيلتهمها بالهناء والشفاء.
لكن بعيداً عن كل هذه الأوهام.. ما زال الوطن هو الوجود ومبرر الوجود.
هو الهوا والهوية.
والغريب الغريب أن الخائن هو مواطن عالمي لا انتماء له ولا روح ولا ملامح ولا هوية.
وفي كل الأحوال والظروف.. لا يجد من يحترمه أو يتعاطف معه.. إنه كالمال تماماً.. حيث يقال إن المال لا جنسية له.. لأنه اليوم في يدك وغداً لا تدري في يد من أصبح ولا تدري ذهب أو سيذهب لأي شأن.