د. محمد عبدالله العوين
لا نريد نحن للشعب الإيراني إلا كل الخير؛ فالإيرانيون في مجملهم لا يتفقون مع سياسة حكومتهم ولا مع فكر الثورة الخمينية في الداخل الإيراني وفي الخارج أيضاً، ومن يتابع إيقاع سير المعارضة المتصاعد للملالي منذ 1979م إلى الآن سيرى أطيافاً مختلفة من الحركات السياسية المتقاربة والمتباعدة في اتجاهاتها الفكرية ورؤاها السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال؛ ولكنها تتفق على أمر واحد؛ وهو أن خلاص إيران يكمن في إسقاط نظام الملالي الكهنوتي الذي أدخل إيران في أزمات عسكرية وضائقات اقتصادية، ووتَّر علاقاتها مع جيرانها العرب وغير العرب، وينذر بشؤم قادم على المنطقة كلها بسعيه إلى امتلاك السلاح النووي وإشعال وقود حروب بدأت وقد تمتد وتتوسع، ولا يقتصر تدميرها وخرابها على من تستهدفهم إيران بالعداء؛ بل إن أول من يكتوي بنيرانها اللاهبة إيران نفسها.
لقد كون الهاربون من جحيم إيران إلى أمريكا وأوربا وشرق آسيا ودول أخرى مختلفة مجتمعات إيرانية تصدر صحفاً وإذاعات وتطبع كتباً وتعقد ندوات وتوزع منشورات وتنظم مسيرات ومظاهرات وتنادي بإنقاذ إيران من تسلط وبغي وتخلف طغمة الملالي الحاكمة في طهران وقم؛ ليس جماعة مجاهدي الشعب الإيراني، أو مجاهدي خلق وحدها، وكما تعرف بالفارسية «سازمان مجاهدين خلق إيران» كأقدم حركة معارضة شعبية تأسست عام 1965م معارضة نظام الشاه ثم النظام الخميني؛ بل عشرات من مسميات الحركات المعارضة في الداخل والخارج، وتمثل أقليات وطوائف ومناطق وقبليات وتيارات فكرية وسياسية مختلفة تجتمع على حقيقة واحدة لا تختلف في وجوبها؛ وهي إزاحة حكم «الولي الفقيه» أو «الحاكم بأمر الله عن الغائب المنتظر»، ربما تختلف في أسلوب التغيير أو في شكل النظام البديل أو في مرجعياته الفكرية والسياسية؛ ولكنها تريد أن ينعم الشعب الإيراني بالهدوء والاستقرار والرخاء، وأن يقيم علاقات حسنة مع محيطه العربي والإسلامي، وأن ينتزع الخوف والتوجس من وجدان الإيرانيين بأنهم سيكونون يوماً ما ضحية لحماقات الملالي في حروب عبثية لا جدوى منها ولن تضيف لهم إلا مزيداً من الحصار والكراهية والمعاناة الاقتصادية.
وقد كشفت عاصفة الحزم التي بترت يد «الولي الفقيه» في اليمن عن الضيق والتبرم والثورة المكبوتة لدى فئات عديدة وأقليات مختلفة من الشعب الإيراني؛ كما تبين ذلك في ثورة الأكراد والبلوش والأحوازيين الذين أشعلوا مدناً وقرى ومراكز أمنية وأظهروا مدى هشاشة وضعف سلطة الخمينيين على ضبط الأمور لو ثار الشعب الإيراني دفعة واحدة وفق تنظيم محكم دقيق لتخليص نفسه واختيار منهجه الفكري والسياسي من جديد.
إننا نكن كل الاحترام للشعب الإيراني العريق في حضارته والمتعدد في ثقافته والغني المتنوع في نتاجه الاقتصادي، ونعلم علم اليقين أن الشعارات الخمينية الفارغة؛ كتصدير الثورة، والولي الفقيه لا تمثل إلا طبقة قليلة من المسيرين أو المنتفعين، ولا تصور العمق الحقيقي لأطياف متعددة متنورة منفتحة من الشعب الإيراني لا ترضى ولا تقتنع بأطروحات كهنوتية تجاوزها الزمن ولا تعيش إلا في عقول مغيبة عن العصر.
ولذلك فإن السعي إلى تفكيك منظومة الهيمنة الخمينية على الشعب الفارسي المضطهد والشعوب الأخرى التي تعاني من الاستبداد؛ كالأذريين والكرد والأحوازيين العرب والبلوش وغيرهم من الطوائف والقبائل سعي إيجابي ينقذ هذه الشعوب والمنطقة كلها من ويلات حروب تدمر المنطقة كلها وتمكن «المخططين» المنتظرين الذين جاؤوا بنظام الخميني ليحقق لهم هذه الغايات الخائبة في تفتيت ديار العرب والهيمنة على مصائرها.
الحل الوحيد لإنقاذ المنطقة هو: كما تدين تدان، وكما صدر الخمينيون ثورتهم إلى عالمنا العربي وزرعوا وكلاءهم في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين ومناطق أخرى نزرع نحن وكلاء لنا في الداخل الإيراني، وكما سعوا إلى إشعال الفتن والحروب في ديارنا نسعى نحن إلى إشعال الثورة عليهم من داخل إيران.
تصدير الثورة المعاكسة من الخارج إلى الداخل يشبه نظام المناعة المرتد الذي يأكل جسد الولي الفقيه.