للشاعر الشعبي المصري الكبير صلاح جاهين... رباعية تقول:
- (لا تجبر الإنسان ولا تخيره
يكفيه ما فيه من عقل بيحيره
اللي النهارده بيطلبه ويرضاه
هو اللي بكرة حيشتهى يغيره)
ربما يكون هذا مدخلاً مناسباً للحديث عن (سقوط الأيدلوجيا) الفكرية والسياسية.. على يدي بعض قادتها.. وكبار ممارسيها.
فعلى المستوى العالمي منذ بروستركيا غورباتشوف.. تغيرت خارطة العالم وعادت أوربا الشرقية للنهوض وفق مقاييس ومفاهيم جديدة.. بعد انهيار دكتاتورية الأحزاب الشيوعية التي حولت الدول إلى سجون كبيرة.. ما زلنا نجد ((فلول)) من يتباكى عليها.
وحقيقة الأمر أن الاتحاد السوفياتي ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية حول مسار الشعوب وفق توجهاته.. ورفع شعارات وفرض حكاما في محاولة للتأكيد بأن إرادة الشعوب تتحقق في المسار الصحيح. أما بعد الانهيار الكبير.. فقد تأكد للعالم كله أن شعوب أوربا الشرقية.. وضعت أحلامها وأمانيها وأفكارها -سلباً وإيجاباً- فيما يشبه (الفريزر) الكبير. أي أن الاشتراكية بكل ممارساتها وأفكارها ووعودها.. لم تصل لجوهر الإنسان لتغيره.. أو تطوره.. أو تحوله.. لكنها اكتفت بالهيمنة على الحلم والطموح الفردي وألجمته.. وهيمنت على إرادة المجموع وكبتت قوته.. دون أن تحقق فعل التغير في العقل والروح. ثم رأينا الشعوب تذيب الجليد عن عقلها وروحها وتتجه لتاريخها البعيد وتحاول وصل ما انقطع بإزالة آثار الفكر الشيوعي وممارساته حتى وإن تشرذمت إلى دويلات صغيرة عرقية أو دينية.. إلا أنها كانت تضع نصب عينيها جارتها أوربا الغربية.. التي حققت بمفاهيمها الديمقراطية وانفتاحها الاقتصادي نهضة جعلتها تتسابق على الازدهار في شتى مناحي الحياة.. وتبني الإنسان وتصون حقوقه وتحرس حريته.
أما على المستوى العربي فقد انهارت الأحزاب الشيوعية أولاً لأنها كانت تابعا يدور في فلك الاتحاد السوفياتي.. تحت وهم شعار يقول بـ(الشيوعية العالمية) التي وجدنا أن سقوط الأيدلوجيا (الأم) أدى لانهيارها دون أدنى مجهود يذكر.. وعاد البعد الأيدلوجي بهذا المعنى لأن يصبح توجها فرديا لا يثمر ولا يؤثر. وموت عبدالناصر.. لم يؤسس أي فكر ناصري كما يحاول أن يوهمنا أنصاره ومحبوه الذين يمكن أن نعتبر توجههم الناصري.. توجهاً عاطفياً غير قابل للنمو.
وبعد أن كان حزب البعث العربي الاشتراكي يستند للقضية الفلسطينية ويعتبرها قضيته المركزية التي جعلت أنصاره يلتفون حوله..عاد وسقط في حروب جانبية لم تفتت الحزب وتزيل كل الأوهام عن أطروحاته.. لكنها دمرت البلاد التي حكمتها.. وليس ما نراه في العراق إلا نتاج حكم حزب البعث الذي امتد نحو أربعين عاماً.
أما في سوريا فقد تجلت الحقائق ولم يذكر أحد مطلقاً أن حزب البعث (الحاكم) هو الذي يواجه الحرب الحالية.. أو يديرها أو يدافع عن ((فكره)) الذي انتهى بصمت شديد.. دون أن يجد في سوريا من ينعيه أو يشير له من قريب أو بعيد.
وفي كل دعوى (الربيع العربي) لم نجد حتى الآن من يرفع شعارات لإصلاح حقيقي ينهض بالشعوب.. ولم نجد أي فكر بناء قادر على الاستقطاب بعيداً عن مصالح الفئات المتشرذمة هنا وهناك.
- عبدالله باخشوين