محمد سليمان العنقري
رصد مجلس المنافسة مخالفات عديدة تضر بالمستهلك، حسبما جاء بتصريح لأمينه العام؛ إذ قال إن عدد المخالفات بلغ 47 مخالفة، تم رصدها في العام 2014م. والمجلس هو جهة حكومة، دوره تحقيق المنافسة العادلة ومكافحة الأساليب الاحتكارية غير المشروعة، ويرأس مجلس إدارته وزير التجارة والصناعة.
ويمتلك المجلس صلاحيات واسعة، من بينها الموافقة من عدمها على عمليات الاندماجات والاستحواذات بين منشآت القطاع الخاص كأحد أنواع الرقابة على السوق لمنع الاحتكار.
ومن بين المخالفات التي ذُكرت التقاسم الجغرافي، وكذلك للعملاء بين بعض المنشآت، التي ذكر بالتصريح أنه تم رفع دعاوى من المجلس ضد من ثبتت عليهم هذه المخالفات. وكذلك ورد أن هناك من ارتكب مخالفات بوضع حد للأسعار والاتفاق أيضاً بين بعض المنشآت على رفع الأسعار. وجاء أيضاً أن مخالفات ارتكبت بمنع منشأة لعملائها من التعامل مع أي منشأة منافسة لها، وأيضاً ربط بيع خدمة أو سلعة بشراء سلعة إضافية معها، وكذلك قيام البعض بتقديم عروض وهمية.. وجميع ما ذكر من مخالفات يؤدي في النهاية لأمراض في أحد أكبر الأسواق الاستهلاكية بالمنطقة، ويؤثر سلباً على المستهلك، ويرفع من تكاليف المعيشة عليه.
فمن الواضح أن إعلان تلك المخالفات من جهة معنية بإيجاد بيئة صحية للتنافسية بالسوق يوضح أن التوجهات تنصب في إعادة هيكلة السوق لمعالجة أمراضه التي مر عليها سنوات طويلة، وتراكمت السلبيات فيه إلى أن وصلت لمرحلة الضرر الكبير على المستهلك والاقتصاد عامة. وإذا كان إيضاح المخالفات من جهة رسمية أمراً جيداً لكن يبقى الأهم هو البدء بمعالجتها، ورفع حجم العقوبات الرادعة وفقاً لاحتياج السوق لها.
فالمرحلة الماضية شهدت تحولاً جيداً بتعاطي وزارة التجارة والصناعة مع حماية المستهلك، ولكن جل المعطيات أظهرت التركيز على عقوبات من خلال احتكار أو تلاعب قائم، أي أن العقوبات لمن يخالف في ظل واقع سوق يحتاج إلى هيكلة ومعالجات أوسع من رصد مخالفة لتاجر بالَغَ بسعر أو أخل بخدمة أو غش ببضاعته وعروضه.. فهذه كلها نتائج لخلل أوسع نطاقاً، يجب أن يعالَج من جوانب عدة، وليس من واقع بالأصل فيه خلل، يسهم بتكرار المخالفات.
ففتح السوق للمنافسة، وتنويع مصادر الخدمات والمنتجات ومراقبتها بإحكام من جهات عديدة، ترتبط بمنظومة عمل وتنسيق ومتابعة فيما بينها، تعد أحد الحلول الرئيسية، بينما يأتي التكامل من خلال البدء في الرقابة والمتابعة من بلد المنشأ للسلع المصدرة لسوقنا من خلال الملحقيات التجارية بمعرفة أسعار بيعها بسوق البلد نفسه بعد تحليل السعر، وخصم الضرائب والرسوم وأي تكاليف ليست موجودة عندنا، أو بما يعطي صافي السعر الحقيقي للسلعة، مع أخذ عينات لسلع معينة وجمع معلومات من الملحقيات عن سعر بيعها بأكثر من سوق إقليمي وعالمي.
كما أن التنسيق مع مؤسسة النقد والجمارك على كشف بعض المعلومات المالية المهمة عن عقود التحوط بالعملات على سبيل المثال من قِبل التجار المستوردين سيسهم بمعرفة أي احتمالات لتغيير بالأسعار على السلع، يمكن وصفه بأنه تلاعب بقصد إضافة أرباح على سعر السلعة المستوردة، وخصوصاً أن عوامل عديدة كانت سبباً في ارتفاع الأسعار تلاشى تأثيرها.
فالريال الذي مر بمرحلة تراجع لسنوات أمام عملات رئيسية عاد الآن للقوة، وارتفع بنحو 20 في المئة أمام إحدى عشرة عملة عالمية، تعد دولها من أكبر المصدرين لسوقنا، بخلاف تراجع سعر النفط وأثره على مدخلات الإنتاج بالسلع عالمياً، وهو ما لم ينعكس على واقع أسعار السلع بسوقنا إلى الآن التي ما زالت مرتفعة، وكأن شيئا لم يتغير بالمؤثرات التي كانت تسوق كمبررات لارتفاع الأسعار سابقاً!
إن المخالفات بشتى الأسواق العالمية التي ترتكب من التجار ليست بالأمر الاستثنائي أو الجديد، لكن تطوير الأنظمة والأساليب الرقابية هو الكفيل بردعها والتصدي لها، وتقليل أثرها السلبي على الاقتصاد والمستهلك. فخفض تكاليف المعيشة ورفع قوة الفرد الادخارية وتحسين مستوى معيشته يعد ضبط الأسواق وعدالة الأسعار أحد العوامل الداعمة لتحقيق هذه المنفعة الاقتصادية للفرد وللاقتصاد عموماً.
فالحكومة أحد أكبر المستهلكين أيضاً من خلال إنفاقها على أعمال التشغيل والإنشاء لمشاريعها وإداراتها، وهو ما يعني أن الأثر الإيجابي سيكون كبيراً ومتعدداً. فخفض الأسعار من خلال تنظيم السوق بإطار واسع قد يخفض من الفاتورة العامة والخاصة بنسب لا يستهان بها، فإذا بلغ الانخفاض 10 في المئة على الأسعار فهذا يعني توفيراً لا يقل عن 100 مليار ريال سنوياً على سبيل المثال من الإنفاق الحكومي، وكذلك المستهلكون الأفراد، الذي سيعني ادخاراً وتوفيراً للفرد، وكذلك وفر كبير بالخزانة العامة، يساهم في مواجهة تداعيات تراجع سعر النفط، وتخفيض بحجم أي عجز متوقع بسببه.