محمد سليمان العنقري
وزير العمل الدكتور مفرج الحقباني الذي نتمنى له التوفيق في مهامه التي لن تكون غريبة عليه كونه ابن الوزارة وكان جزءًا رئيسًا قي إدارتها من خلال موقعه السابق كنائب للوزير أوضح في تصريحات لوسائل الإعلام بعد صدور الأمر الملكي الكريم بتعيينه وزيرًا للعمل عن الرؤية القادمة لعمل الوزارة التي حددها بعدة نقاط ذات بعد جوهري في التوجهات القادمة قي سوق العمل عمومًا ويمكن تحليل تلك الرؤية من خلال أبرز النقاط التي ذكرت بتصريحاته كمحاولة لفهم تلك التوجهات إلى أن توضح رسميًا بصيغتها النهائية.
فبداية ذكر بأن أهم أولويات الوزارة هي رفع مساهمة عنصر العمل السعودي بتحسين إنتاجيته وفعاليته في الاقتصاد لتقليل البطالة.
ويمكن فهم هذا التوجه على أن التوظيف الكمي سيبقى هدفًا رئيسًا لخفض البطالة الحالية والقادمين الجدد لسوق العمل المقدرين بنحو 300 ألف سنويًا إلا أنه سيخضع للقياس حول نتائجه على الاقتصاد بما يعني أن الاتجاه سيبقى كميًا لكن بآليات مختلفة فقد تتغير نسب التوطين مثلاً من خلال رفعها لكن بتخصصات معينة لا تحسب فيها كل عمالة المنشآت بل قد تنحصر في المهن التي يمكن شغلها بالمواطنين.
كما ذكر بأن تطوير التدريب وملائمة مخرجات التعليم ضرورة لتحسين مساهمة العنصر السعودي في الاقتصاد وهذا يعني أن تنسيقًا سيحدث مع وزارة التعليم والجامعات لتزويدهم بالتخصصات التي يجب التركيز عليها لرفع نسب المتخصصين بها وبالمقابل فإن تبعية المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني لوزارة العمل ستتيح لها التركيز على التخصصات المهنية والفنية التي يتطلبها السوق ومع وجود صندوق الموارد البشرية فإن ذراعًا ماليًا بات كبيرًا بموارده سيسمح بدعم برامج التدريب والتأهيل والتوظيف إلا أن الربط بين المؤسسة الحكومية المعنية بالتدريب وصندوق الموارد البشرية سيتيح فرصة كبيرة لرفع مستوى التدريب والتأهيل فلا بد أن يتم تغيير أو تطوير أو إضافة برامج تدريبية جديدة وكذلك إقامة برامج تدريب قصيرة يغطي نفقاتها صندوق الموارد البشرية بدلاً من التشعب في العلاقة مع القطاع الخاص بالتدريب الذي لا يمكن التأكَّد من مخرجاته المناسبة للسوق بخلاف مؤسسة التعليم الفني والتدريب المهني التي يمكن متابعة برامجها التدريبية بسهولة وتحقيق أفضل النتائج منها.
أما التوجه الأهم ما ذكره حول مساهمة الوزارة مع الجهات الشريكة في الاقتصاد حتى يتم فتح فرص عمل جديدة حيث أكَّد أنهم لن يستمروا في سياسة الإحلال الحالية وهذا يدل على أن هذا النهج من الصعب الاعتماد عليه لعدة أسباب باتت معروفة للجميع فمخزون الوظائف الحالي الذي يمكن الإحلال عليها لن يبقى كافيًا أمام أعداد البطالة الحالية والقادمة بخلاف ما أنتجه من سعودة وهمية وكذلك ضعف دخل غالبية هذه الوظائف ومتطلباتها التأهيلية مما يعني أن الحاجة ماسة لتحرك جهات معنية بفتح فرص العمل كوزارات التجارة والصناعة والاتصالات والكهرباء والخدمات كالسياحة وغيرها مما سيسمح للقطاع الخاص بضخ الاستثمارات وستتوفر فرص عمل ضخمة وبمتطلبات تأهيلية مرتفعة ودخل جيد ولعل انتقال المهندس عادل فقيه لوزارة الاقتصاد والتخطيط سيسهم بتحسين الخطط الاقتصادية التي تنتج وظائف مناسبة كمًا ونوعًا بما أنه كان وزيرا للعمل ولديه معرفة تامة بواقع سوق العمل واحتياجاته أي أن التنسيق بين وزارتي العمل والاقتصاد يفترض أن يرتفع كثيرًا بل تكون الأخيرة هي الداعمة لتوجهات وزارة العمل في كل مشاوراتها مع بقية الجهات الفاعلة بالاقتصاد.
وركز أيضًا بتصريحاته حول أهمية الشراكة والعلاقة مع القطاع الخاص كونه المولد لفرص العمل وربط ذلك بالتوازن بين خطة التنمية ودور القطاع الخاص فيها ومعنى ذلك أن تتجه الاستثمارات لاحتياجات المملكة التنموية كرفع نسبة مساهمة الصناعة وزيادة الطاقة الاستيعابية بالاقتصاد عمومًا وهذا يتطلب جهدًا كبيرًا تقع مسؤوليته على عاتق وزارة الاقتصاد والتخطيط وبقية الجهات الحكومية المعنية بالجوانب التنظيمية والتمويلية والتأهيلية فحتى ينتج الاقتصاد وظائف ذات قيمة مضافة وبدخل جيد يحتاج إلى انفتاح اقتصادي كبير ونوعي وبتنسيق عالي بين كل الأطراف دون استثناء حتى يتحقق هذا الهدف خصوصًا أن متوسط دخل المواطن بالقطاع الخاص وفق الإحصاءات الرسمية حوالي 4800 ريال الذي يعد بسيطًا قياسًا بمتطلبات المعيشة ويضعف المنافسة مع القطاع العام بالتوظيف الذي لا يمكنه استيعاب أعداد طالبي العمل بل قد يكون مترهلاً ببعض الجهات.
من الواضح أن وزارة العمل تعي حاليًا مشكلة سوق العمل وما خلفه برنامج نطاقات من بعض السلبيات خصوصًا السعودة الوهمية والوظائف ذات الدخل المنخفض عمومًا التي لا بد من البدء بتصحيح إشكاليات نطاقات الكبيرة، وهذا ما يدلل على أن المرحلة القادمة ستركز على النوعية بالوظائف كأولوية وأما الكم فسيكون ليس من خلال التركيز على نسب التوطين العامة بل على نوعية الوظائف التي تصلح لأن يعمل بها المواطنون وذلك بحسب ما يمكن استنباطه من تصريحات الدكتور مفرج الحقباني إلا أن التحدي يبقى قائمًا على قدرة وزارة العمل على تحقيق تلك التوجهات وسرعة تجاوب كل الجهات المساهمة في الاقتصاد مع الرؤية الجديدة.