إبراهيم عبدالله العمار
كم مرّت علي هذه المحاورة؟!
نحن نعيش في مناخٍ قاسٍ، فالحر عندنا شديد وهو أكثر أيام السنة، والبرد إذا أتى كان شديداً جافاً، والمطر قليل، والرمل والتراب كثير، والمناظر الخضراء معدومة، والإنسان يحب الطبيعة، لذلك كثيراً ما سمعت عبارات مثل:
ما أحسن حظ الماليزيين، فبلدهم مليء بالطبيعة الجميلة!
يا لفرحة الأوروبيين، فلديهم الشلالات البديعة!
كم الأتراك سعداء، لديهم المساحات الخضراء البهيّة!
وتتطور هذه العبارات أحياناً فتنتقل من مجرد الغبطة لهذه الشعوب إلى الرغبة في الهجرة هناك ليعيش المرء كل وقته بين الماء والأشجار والأمطار، ظاناً أن هذا سيزيد سعادته اليومية دوماً. ليست هذه تخص الطقس فقط، بل تشمل أي شيء يظن الشخص أنه سيزيده سعادة، وكلنا مرّت عليه عبارات مثل: «ليتني أشتري السيارة الفلانية، سأعيش في فرحة كل يوم». أو «كم أرغب في المنزل الفلاني، ستكون حياتي سعيدة». وهلم جراً.
هذه النظرة منتشرة، فيظن الشخص أنه إذا حصل على شيء معين أو انتقل لمكان ما فإن سعادته الشعورية ستزيد بشكلٍ دائم، لكنها من المغالطات التفكيرية الشائعة، حتى إن لها اسماً في علم النفس الاجتماعي وهي «وهم التركيز»، فإذا ركّز الشخص على تأثير شيء معين فإن هذا يُبهجه ويتخيل أنه مستقبلاً سيظل يشعر بنفس الشعور كل يوم، فيظن مثلاً أنه لو هاجر لجزيرة جميلة مليئة بالأشجار والشلالات والطيور فإنه سيشعر بالبهجة كل يوم، لكن الأدلة أظهرت أن هذا خطأ ولا يكون، ومِن أسهل الطرق أن ننظر للناس الذين يعيشون في المناطق الجميلة والدول المرفهة فنرى أن مقاييس السعادة لديهم ليس فيها شيء خارج عن المألوف، أي أنه طبيعتهم الجميلة وأموالهم وتقنيتهم لم تزدهم سعادة بالضرورة، بل لديهم همومهم ومشاكلهم ولا يستمرون يَسعَدون بالطقس الجميل أو الرواتب العالية أو غير ذلك. سرعان ما يتعود الإنسان على النعمة وتغيب عن تفكيره. بل إن بعض أكبر أعداد الانتحار هي في دول جميلة ومرفّهة مثل فنلندا وكوريا الجنوبية والنمسا.
تستطيع أن تستحضر هذه الفكرة بأن تجيب عن السؤال: ما مقدار المتعة التي تعطيكها سيارتك؟ ضع إجابة في ذهنك. الآن خذ السؤال هذا: متى تأتيك هذه المتعة؟ والجواب المفاجئ: عندما تفكر فيها. لو كانت سيارتك جميلة فإن متعتك محصورة فقط بالوقت الذي تقضيه مفكراً فيها، بل حتى لو ركبتها فلن تأتيك منها متعة إذا كان بالك مشغولاً. قل نفس الشيء عن البيت الفاخر والدول الجميلة والسلع الممتعة وغير ذلك. معظم وقتك أنت لا تفكر في هذه الأشياء بل في أمور العمل والعائلة والحياة وما شابه. الكثير يبالغ في تقدير المتعة التي يستحصلها من سيارته أو بيته أو مدينته، لأنه إذا سُئل السؤال السابق أجاب على سؤال آخر، وهو سؤال: «كم المتعة التي أحصل عليها من سيارتي...إذا فكرتُ فيها؟»، وضَعْ خطاً تحت آخر 3 كلمات، فإذا فكر الشخص في السيارة أو البيت أو السلعة ابتهج ومن ثم بالغ في تقدير سعادته منها، ناسياً أنه لا يكاد يفكر فيها أبداً.
اجعل هذا أمام عينيك كلما اشتعل وَلَعُك بشيء ما (سيارة، بيت، سلعة، الخ) وتظن أنه سيزيدك سعادة بشكلٍ مستمر.