محمد سليمان العنقري
سؤال نوجهه لوزارة التجارة والصناعة، فقد أظهرت الأرقام الإحصائية التي رصدتها صحيفة الاقتصادية أن الريال ارتفع بحوالي 20 في المائة أمام إحدى عشرة عملة عالمية من بينها اليورو والين الياباني والجنيه الاسترليني والدولار الكندي والأسترالي واستند التقرير على قاعدة المعلومات الصادرة من مؤسسة النقد وكذلك صندوق النقد الدولي عن شهر مارس السابق على أساس مقارنة سنوية
فبما أن منطقة اليورو واليابان تعد من أهم المصدرين للسوق السعودي من السلع الغذائية والمعدات والسيارات فإن الأسعار لتلك السلع لم تظهر تراجعًا ولو تدريجيًا يقارن بهبوط عملاتها أمام الريال فاليورو تراجع بمقدار 28 في المائة فيما تراجع الين الياباني حوالي 16 في المائة والجنيه الاسترليني 12 في المائة فحجم واردات المملكة بلغ 651 مليار ريال وعلى الأقل فإن قرابة 50 بالمائة تأتي من الدول التي ارتفع الريال أمام عملاتها كونها تعد من أكبر الشركاء التجاريين مع المملكة فحجم واردات المملكة من السيارات يفوق 80 مليار ريال سنويًا بمعدل يصل إلى مليون سيارة حوالي 20 في المائة تأتي من اليابان.
ومن الغريب أن مؤشر تكاليف المعيشة ما زال يسجل ارتفاعًا ولو أنه بدأ يتباطأ ارتفاعه لكنه بقي متأثرًا بارتفاع أسعار السلع المستوردة نسبيًا وإذا ما أخذنا العوامل التي تؤثر بمدخلات الإنتاج للسلع المستوردة فإنها أيضًا تغيرت باتجاه الانخفاض إِذ يأتي النفط من بين العوامل الرئيسة المؤثرة الذي شهد تراجعًا أيضًا بدا منذ قرابة 7 أشهر حيث تراجع سعر البرميل بالمتوسط حوالي 45 بالمائة على الأقل الذي له تأثير على أسعار مشتقاته التي تدخل بإنتاج وتغليف السلع وكذلك النقل والطاقة التي يفترض أنها تراجعت عالميًا التي تظهرها أسعار المنتجات البتروكيماوية بشكل واضح حيث تشهد تراجعات ظهر تأثيرها بنتائج الشركات التي تنتجها بتراجع حاد بأرباحها محليًا وعالميًا ويعد سعر النفط مثالاً من بين أمثلة عديدة على تراجع مدخلات الإنتاج يضاف لها قيمة العملات أمام الدولار التي شهدت تراجعًا جماعيًا أيضًا أمام الريال. وقد يبرر بعض المختصين بقطاعات الصناعة أو التجارة أن هناك عوامل أخرى تجعل من كل تلك المتغيرات ذات أثر محدود أمام تأثيرات أخرى بمدخلات الإنتاج إِذ إنهم يرون تراجع عملات رئيسة أمام الدولار يعني أنهم سيدفعون أكثر لاستيراد بعض مدخلات الإنتاج بخلاف الإنفاق على الأبحاث والتطوير وكذلك تكاليف الشحن والتأمين لمناطق مضطربة سياسيًا كمنطقة الشرق الأوسط، وكذلك قولهم بأن السلع التي تباع بالسوق جرى التعاقد على استيرادها بفترات سابقة لم تكن العملات قد تراجعت أو النفط.
إلا أن كل ذلك لا يعد تبريرًا منطقيًا أمام هامش التراجع الكبير بأسعار العملات لتلك الدول الأكثر تصديرًا لسوقنا وأيضًا تراجع سعر النفط فمن غير المنطقي ألا تتأثر الأسعار انخفاضًا بسوقنا ولو بنسب بين 5 إلى 10 بالمائة على الأقل بعد مرور شهور طويلة على بداية تراجع العملات والنفط، مما يفتح الباب واسعًا على أسئلة مشروعة حول أسباب بقاء الأسعار متماسكة أو حتى ارتفاع بعضها بل لماذا ترتفع أسعار سلع تأتي من أمريكا التي يعتبر الريال مثبتًا كسعر صرف مع دولارها
مما يتطلب أن توضح وزارة التجارة والصناعة للجمهور الأسباب وأن تكشف الحقائق وأن تتصدى لأي جشع بالسوق بطرق مختلفة تبدأ من فك احتكار القلة إن وجد بأي سلعة وأن تبحث بأسباب أكثر تعقيدًا مما يبدو أنه ظاهر لنا كمستهلكين حول بقاء الأسعار مرتفعة.
فمن المهم أن تنشط الملحقيات التجارية بالخارج لتتبع أساليب التصدير لسوقنا لتكشف أي فروقات بالأسعار بين السلع بأسواق منتجيها بعد خصم ما يوضع عليها من ضرائب عندهم ومقارنتها بالسوق المحلي، كما يفترض أن تتعاون وزارة التجارة والصناعة مع مؤسسة النقد لكشف طبيعة عقود التحوط بالعملات التي يقوم بها المستوردون للوصول إلى حقيقة ما يقدم من أنواع تلك العقود، إِذ قد يكون فيها ما يسمح بارتفاع تكلفة الاستيراد لأي سلعة بطرق يعرفها المختصون بالبنوك بهذا النوع من العقود وبالمجمل نتمنى على الجهة المعنية برقابة السوق وهي وزارة التجارة وكذلك الجمارك العامة أن تتحركان لكشف الحقائق وإزالة أي لبس حول الأسعار يثير استغراب المستهلك من عدم تراجعها عندما يرى أن الريال السعودي ارتفع بهامش كبير أمام العملات العالمية.
تكاليف المعيشة ارتفعت منذ سنوات ولم تشهد الأسعار انخفاضات بعد تلاشي عوامل الارتفاع السابقة مؤخرًا ولم يعد ارتفاع الدخل يتواكب مع ارتفاع أسعار السلع مما يتطلب إعادة صياغة مفهوم حماية المستهلك لدى كل الجهات المعنية الإشرافية والرقابية لمنع استغلال المستهلك وضبط السوق وإيقاف الهدر من جيوب المستهلكين لصالح التاجر والمصدر أيضًا وإذا كانت وزارة التجارة والصناعة قد حققت إنجازات مهمة برقابة السوق وتفعيل دور حماية المستهلك بجوانب عدة فإن استكمال عملها يحتاج إلى توسع أكبر وأدوار مشتركة مع جهات أخرى ذات علاقة بأسعار السلع بشكل مباشر أو غير مباشر لما لذلك من انعكاسات إيجابية على المستهلك والاقتصاد عمومًا.