محمد سليمان العنقري
أثار ارتفاع تكلفة العمالة المنزلية وصعوبة استقدامها في وقت قصير تلبية لحاجة الأسر الرأي العام، وشهد تفاعلاً كبيراً، وخصوصاً في موقع التواصل الاجتماعي تويتر حيث وُجّهت انتقادات للوائح المنظمة الصادرة من وزارة العمل لسوق العمالة المنزلية وللجنة الوطنية للاستقدام التي حمّلتها الآراء المطروحة جُل المشكلة، وطالبوا باستقالتها، وهو ما حصل بالفعل؛ إذ استقالت اللجنة، وأوضحت ببيان ترافق مع استقالتها سبب ظهور المشكلة.
اللجنة الوطنية للاستقدام
وبداية، سأتطرق لبعض النقاط من خلال بيان اللجنة؛ إذ أكدت أنها توقفت عن التفاوض مع الدول المصدرة للعمالة منذ 1430 هجرياً، وأن وزارة العمل هي المسؤول عن هذا الملف منذ عام 1433 هجرياً بموجب قرار صادر من مجلس الوزراء الموقر. وذكر أيضاً أن واقع السوق اختلف عن وضعه قبل 35 سنة، وأن الدول المصدرة للعمالة تحسنت أحوالها الاقتصادية، ولم يعد هناك نسب عالية من مواطنيها ترغب بمثل هذه المهن، والمنافسة أيضاً ارتفعت من دول الخليج ودول عربية على الاستقدام من تلك الدول.. إلخ من نقاط عديدة ذُكرت بالبيان.
سنتفق مع تلك النقاط أنها واقع، لكن هناك وجهاً آخر يفند الكثير من تلك النقاط التي بررت بشكل ما ارتفاع التكاليف وصعوبة الحصول على أعداد كافية لطلب السوق المحلي.
فعدد مواطني الدول التي نستقدم منها أيضاً ارتفع خلال الـ35 سنة الماضية بنسب لا تقل عن 30 إلى 40 في المئة، وأحوالها المعيشية لم تصل إلى مستويات عالية كما هو حال ماليزيا مثلاً في قارة آسيا، أو جنوب إفريقيا في القارة الإفريقية، وهما القارتان الأكثر تصديراً للعمالة المنزلية عالمياً؛ والدليل أن دول الخليج وغيرها لا تواجه مشكلة كبيرة في استقدام العمالة من تلك الدول، لا من حيث المدة الزمنية التي تصل إلى نصف ما هو موجود لدينا، ولا حتى التكلفة التي تزيد في المملكة على بقية الدول بالمنطقة بنسب لا تقل عن 30 في المئة، وتصل إلى 50 في المئة مع بعض الدول.
رد وزارة العمل
أما ما يخص ردة فعل وزارة العمل فقد تجاوبت سريعاً، وصرح معالي وزيرها الدكتور مفرج الحقباني بأنهم سيضعون حلولاً سريعة، واتضح ذلك من خلال تعديلات صدرت قبل يومين على اللائحة المنظمة للاستقدام، وذلك من خلال السماح بترخيص مكاتب وشركات استقدام جديدة لكسر احتكار السوق، وزيادة الخيارات أمام الأسر، وكذلك السماح بتقديم طلب التأشيرات مباشرة من الأفراد بدلاً من برنامج مساند أو كخيار إضافي معه؛ حتى يكون هناك تقليص في التكاليف ومدد استخراج التأشيرات.
هذه المرونة سنراها جميلة وتجاوباً رائعاً من الوزارة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: إذا كانت هذه اللوائح جديدة نسبياً، ولم يمضِ على صدورها إلا سنوات قليلة جداً، فكيف لم يُستشعر الخلل الذي تسبب في الأزمة الحالية؟ فالتعديلات التي أُعلنت منذ يومين توضح أن الوزارة رأت مكمن الخلل باللائحة، وتريد معالجته. إذاً، لماذا لم تدرس النقاط المعدلة من الأساس عند إعداد اللائحة حتى يقاس الأثر الاحتمالي سلباً وإيجاباً لتدارك حدوث مشكلة مؤثرة بسبب هذه الأنظمة؟ فبقدر ما يمكن قراءة اعتماد ما تم تعديله كارتقاء بتنظيم السوق من خلال رؤية الوزارة إلا أنه فتح الباب من قِبل الكثير من المواطنين للتساؤل حول سبب وضع أنظمة لم تُدرس جيداً، وفرضت مشكلة من العدم بالسوق، وتسببت في خسائر كبيرة على الأسر، وحققت منفعة لأطراف بالسوق على حسابهم.. وهي تساؤلات مشروعة؛ يفترض أن تراعيها الوزارة، وتجيب عنها؛ لما فيه من إيضاح للحقائق من قبلها؛ كونها المسؤولة عن السوق وإصدار اللوائح المنظمة له.
هيئة عليا للتشريع
إن ما يمكن قراءته من خلال ما حدث من تفاقم لمشكلة تكلفة ومدة استقدام العمالة المنزلية، وضمان الحقوق لكل الأطراف، يستدعي فكرة إنشاء جهاز مستقل، يخدم كل الجهات الحكومية، معني بالتشريع، ويعد طرفاً محايداً متخصصاً، يستطيع أن يدرس كل احتمال للأنظمة ولوائحها، ويدرس أبعادها وتأثيراتها، ويقلل من أخطائها وسلبياتها، ويقوم بمراجعة دورية لها من خلال إطار نظامي، تحدد به المدد وطرق المراجعة؛ حتى يكون التحديث للأنظمة واقعياً، ويقلل السلبيات، ويلبي احتياجات تطوير الأنظمة بعيداً عن الأجهزة المعنية بالتنفيذ؛ حتى لا تكون مشرعة، تعتمد أحياناً على خدمات شركات قانونية، قد لا تتوافر الكفاءة فيها، وكذلك منفذة وتمارس كل الأدوار، ويخفف الأعباء عنها.
وإذا كانت هيئة الخبراء تعد مرجعية مؤهلة لهذا الأمر فإن اختلاف الأدوار كونها تراجع وتدرس ما يعده غيرها من الأجهزة يجعل العبء عليها كبيراً؛ فلذلك إذا وجد الجهاز المتخصص بوضع اللوائح لكل جهاز خدمي تحديداً فإن ذلك سيوفر الكثير من الجهد، ويرفع من كفاءة اللوائح، وبالتأكيد سينسق مع كل جهة حين وضع الأنظمة التي يحال له طلب إعدادها، وكذلك مع كل الأطراف المعنية؛ ما يقلل من احتمال التعديلات السريعة، ويوجد استقراراً لمدد طويلة باللوائح؛ لأن التعديل السريع نتيجة خلل ما يربك أطراف السوق، ولا يعد حلاً دائماً؛ لأنه يأتي كردة فعل أكثر من أنه أتى بسياق تحديث لها بظروف طبيعية.
نعلم أن كل الجهات الرسمية تحاول أن تطوِّر من أدائها وخدماتها للمواطنين والمجتمع والاقتصاد عموماً، إلا أن الجانب التنظيمي يحتاج لجهاز مستقل متفرغ ومتخصص؛ ليبني الأنظمة واللوائح، ويترك لكل جهة أن تتفرغ للتنفيذ والإشراف والرقابة؛ ما سيطور الأداء، ويقلل من السلبيات، ويرتقي بالخدمات دون الحاجة لتعديلات متسارعة وإنتاج إشكاليات من رحم الأنظمة التي ما وُضعت إلا للارتقاء بالخدمات والتيسير على المواطنين والمقيمين.