إذا كان يمكن حساب مصالح دول «المشروع الاستعماري» بالمال، وإذا كان يمكن حساب مصالح «المشروع الصهيوني» بالأرض، فان «المشروع الطائفي» الإيراني لا يمكن حسابه إلا بالدم.
هذا هو المشروع الوحيد الذي لا يُلاحقنا على أرض ولا على مال. ولكنه يلاحقنا على دمائنا.
لقد قاد أركان هذا المشروع حروبا أهلية في العراق وسوريا ولبنان، لم يكن بالإمكان شراء الأمن منها بالمال ولا حتى بالتنازل عن أي أرض. لأن أصحاب هذا المشروع جاءوا الينا وهم يتطلعون إلى تحويل كل دول المنطقة إلى مستنقع للنزاعات الطائفية، لكي يكسبوا لأنفسهم نفوذا من خلالها، دون غيرها.
وظل أصحاب هذا المشروع يمزقون ويقتلون ويهجرون حتى باتت التركة تشمل عشرات الملايين من الأبرياء.
ومع ذلك، فلم يشف لهم غليل، ولا انتهينا من دورة الدمار.
وهم ما يزالون يلاحقون الأبرياء، هنا وهناك، بشعار لا يستنكفون عن ترديده في كل مكان، يقول: «يا ثارات الحسين».
ولا أحد يعرف كيف أمكن لتلك الثارات الغبية أن تصل إلى الفلوجة أو الرمادي، أو صنعاء، وكأن الحسين لم يُقتل في كربلاء.
المعنى الخفي وراء تلك الثارات، هو أن المشروع الطائفي، إنما يريد تصفية حساب تاريخي مع العرب المسلمين. فسعى إلى تمزيقهم أولا، ثم إلى هدم دينهم ثانيا، ثم إلى تحويل بلدانهم إلى مستنقعات للقتل والفساد والارهاب.
ما من دولة في العالم إلا وكانت لها مصالح، وبطريقة أو أخرى، فإن هذه المصالح قابلةٌ للحساب، إلا «مصالح» إيران، ذلك لأنها مصالح لا تطلب شيئا قابلا للحساب، بل تطلب سفكا للدماء.
ماذا قدمت إيران للعراق على امتداد 12 عاما من الهيمنة عليه؟
لم تقدم مشروعا للتنمية، ولا قدمت مشروعا للاصلاح أو الإعمار (وهي لا تملك المال لتفعل ذلك، على أي حال). ولكنها قدمت مشروعا للقتل والتصفيات أدى إلى التضحية بنحو مليوني إنسان، والى إنتاج أكثر من مليون أرملة، وخمسة ملايين يتيم، وتهجير أكثر من سبعة ملايين ضحية. كما أنتجت مشروعا للفساد سمح لأتباعها أن يبددوا مئات المليارات من الدولارات في بلد لم يجدوا سبيلا إلى تزويد سكانه بالكهرباء ولا بالماء النقي، ولا بأدنى مستوى للخدمات.
وليس ثمة ما يدعو إلى حساب تكلفة الحرب في سوريا. فالعالم كله يشكو من تبعاتها بعد أن تشرد ثلاثة أرباع السكان، وتحطم ثلاثة أرباع البلاد.
ولقد كان يجب على اليمن أن يكون عراقا آخر، أو سوريا أخرى، أو لبنان آخر.
ماذا يمكن أن نعطي إيران لكي تكف عنّا هذا الأذى؟
لا مال يكفي، ولا أرض، ولا أي شيء. لأن المقياس الوحيد الذي يمكنه أن «يقيس» لإيران «مصالحها»، هو مقدار ما تحققه التمزقات الطائفية بيننا من خراب اجتماعي وسياسي وديني.
ولا شيء يمكنه أن يُشفي احقادا ظلت تنظر إلى العرب المسلمين على أنهم عدو، على طول الخط.
ما الذي فعلناه لهؤلاء الناس عبر التاريخ، لكي نستحق منهم هذا الجزاء؟
لقد فعلنا شيئا رئيسيا واحدا. هو أننا أدخلناهم إلى الإسلام. وهم يعاقبوننا عليه. ويردوه إلينا طوائفَ وأحقاداً وثارات!