حتى وقت قريب وربما لحسن النية أو الجهل بلوائح الصحة، كنا نظن أن المستشفيات للعلاج والتطبيب وصرف الأدوية، وما كنا نحسب أنها أيضا ميدانا للتشجيع والتجول بقميص الفريق الذي نشجعه.
قطعا المجال لا يحتمل السخرية، ولكن واقعه المشجع الذي يستعرض بدراجته داخل مستشفى حكومي بالدمام وتناقلتها المواقع من المضحكات المبكيات وتمثل مرحلة جديدة من مراحل الإهمال الذي يضرب الكثير من مرافقنا الصحية.
رد فعل الصحة كان سريعا-وللأمانة- ممثلة في مديرية الشؤون الصحية بالمنطقة الشرقية، التي أحالت حراس الأمن في البرج الطبي بالدمام، للتحقيق عقب انتشار مقطع فيديو الذي يظهر فيه مشجع أحد الأندية الرياضية وهو يدخل إلى بهو الاستقبال في البرج بدراجته، مرتدياً الزي الخاص بناديه بألوانه المعروفة.
واصلت الصحة- وللأمانة أيضا- شفافيتها وهي تعلن على لسان الناطق الإعلامي بصحة الشرقية خالد العصيمي، أن التحقيقات بينت أن أحد حراس الأمن المناوبين على بوابة البرج الطبي من جهة البهو الرئيسي تساهل في دخول ذلك المشجع. وشدد العصيمي على أن المديرية ستتخذ الإجراءات النظامية تجاه حراس الأمن، الذين كانوا في الدوام الرسمي حينما دخل المشجع إلى مبنى المستشفى.
إلى هنا أخلت صحة الشرقية مسؤوليتها، وتركت الباب مفتوحا أمام تحول مستشفياتنا -بعد أن سبقتها في ذلك مدارسنا - إلى استادات وساحات ومضامير لنشر التعصب الرياضي ووأد الروح الرياضية التي شيعت إلى مثواها الأخير في ملاعبنا واستوديوهاتنا التحليلية وبرامجنا الرياضية.
واقعة برج الدمام الطبي لا تنطوي فقط على إهمال فحسب من قبل الحارس الذي رحب وسهل دخول «خويه» ليشجع ناديه في بهو المستشفى، بل تكشف اختلال سلم الأولويات لدينا؛ حتى بات تشجيع النادي الفلاني ولو بالمخالفة أهم من «مصدر أكل العيش»، وهو ما بدى جليا من تصرف الحارس الذي ضرب باللوائح عرض الحائط ليرضي تعصبه لناديه.
توقيع العقوبة بحق الحارس المهمل أمر طبيعي وطيب ولكن الأهم تنقية العقول والأنفس من رواسب التعصب والتأكيد أن كرة القدم لعبة للمتعة ومكانها وكذا مشجعيها المستطيل الأخضر لا بهو مستشفى أو فناء مدرسة.