روما - سهيلة طيبي:
الدكتور خالد قرملي سفير المملكة العربية السعودية في إيطاليا في حوار مع صحيفة الجزيرة، تناول تحليل الأوضاع السياسية، فضلاً عن مشاغل الدبلوماسية السعودية في الخارج، واستعرض كذلك الأنشطة الثقافية والتربوية للمملكة في جمهورية إيطاليا. كما أبرز ما تقدمه السعودية من خدمات إنسانية وتربوية ودينية للجالية العربية والمسلمة في إيطاليا.
* بداية، نبارك للمملكة العربية السعودية الأوامر الملكية السامية الأخيرة التي صدرت عن خادم الحرمين الشريفين، وفي هذه المناسبة نستهل الحوار برأي سعادتكم حيال هذه الأوامر.
- من الصفات القيادية المتميزة التي يتصف بها مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان - يحفظه الله - والمعروفة عنه طيلة حياته العملية الحافلة بالعطاء والخبرة في شؤون الدولة هي صفة الحزم والعزم، ولذلك لم يكن مستغربا أن يتفاجأ العالم بالوتيرة السريعة والحاسمة لقراراته يحفظه الله سواء في الشأن الخارجي أو الداخلي.
وفي هذه المناسبة لا يفوتني التنويه بما عبّر عنه صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبد العزيز - يحفظه الله - من رغبة في ترك المنصب رغم ما قدمه سموه الكريم لوطنه ومواطنيه من مبادرات جليلة وفاعلة في كافة المواقع التي شغلها طول حياته الوظيفية المديدة.
ولا شك أننا نبايع بكل محبة وثقة وطمأنينة صاحب السمو الملكي ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف، وصاحب السمو الملكي ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان. ونهنئ أنفسنا قبل تهنئتهما على ما يحظيان به من ثقة ملكية ومحبة شعبية وقدرات قيادية.
- وفي السياق نفسه شهدت وزارة الخارجية تعيين وزير جديد لها خلفاً لصاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل.
لا شك أن سمو سيدي الأمير سعود الفيصل كان مدرسة عظيمة تعلمت منها شخصياً الكثير خلال تشرفي بالعمل معه وخدمته، فهو مثال يحتذى وهبه الله الهيبة والرقي والفطنة والحكمة والثقافة الواسعة وأرقى درجات اللياقة واللباقة، وقد سخّر - يحفظه الله - عمره ووقته وجهده في خدمة وطننا الحبيب ورفع شأنه عالياً بين الأمم وفي خدمة القضايا العربية والإسلامية، ويصح فيه قول الشاعر:
وإذا كانت النفوس كباراً
تعبت في مرادها الأجسام
أما معالي الوزير عادل الجبير فهو دبلوماسي محترف تدرج في المناصب الدبلوماسية طيلة عمره، وحاز بفضل تفانيه وجهده وتميز قدراته ثقة رؤسائه سواء حين كان من منسوبي سفارة المملكة العربية السعودية في واشنطن، أو حين أصبح سفيراً لخادم الحرمين الشريفين في واشنطن ومستشاراً لخادم الحرمين الشريفين، أو حين حاز ثقة مليكنا المفدى - يحفظه الله - اليوم بتعيينه وزيراً للخارجية.
* كيف تقرأون تطورات الأوضاع الأخيرة في اليمن في ظل تشكيل تحالف خليجي عربي سياسياً وعسكرياً؟
- أمن اليمن وأمن السعودية جزأ لا يتجزأ من أمن منطقة الجزيرة العربية، وما يسرّ إخواننا اليمنيين يسرّنا وما يضرهم ويؤذيهم يضرنا ويؤذينا، وهدفنا هو استعادة الأمن والاستقرار ومساعدة الإخوة اليمنيين على الخروج من الصراعات الداخلية إلى التنمية والرفاه. فرغم مبادرات الحوار التي أثمرت لانتقال سلمي للسلطة عبر المبادرة الخليجية المدعومة من الأمم المتحدة، إلاّ أنّ ميليشيات الحوثيين، بالتحالف مع الرئيس المخلوع، استخدمت القوة العسكرية الغاشمة ضد أبناء الشعب اليمني لنقض مخرجات الحوار. ومن هنا فقد استجاب خادم الحرمين الشريفين مع إخوانه قادة دول الخليج العربي وبدعم عربي وإسلامي واسع لطلب الرئيس اليمني لاستعادة الأمن والاستقرار إلى اليمن الشقيق. والحمد لله تكللت عملية «عاصفة الحزم» بالنجاح الباهر، عبر تدمير الصواريخ والأسلحة الثقيلة للمتمردين. والآن ها قد انطلقت عملية « إعادة الأمل» والهدف ما يزال دعوة جميع اليمنيين، من كل الفرق والأحزاب والمناطق والطوائف، لترك العنف واستئناف الحوار تحت مظلّة الشرعية اليمنية والعربية والدولية.
* تعهدت المملكة العربية السعودية بإعمار اليمن فيم يتجسّد ذلك؟
- لم تبخل المملكة يوماً على أشقائها في اليمن بالدعم والمؤازرة والعون، ولا شك أن اليمن بحاجة ماسة إلى جهد جماعي منظم لإعادة الإعمار وللانطلاق في تنمية شاملة لكن الأمر يحتاج إلى استتباب الأمن والاستقرار ليتحقق ذلك.
* ما هو الدور الذي ستلعبه المملكة العربية السعودية بعد نهاية عملية «عاصفة الحزم» وبداية عملية «إعادة الأمل»؟
- دورنا ما يزال هو دعم الشرعية في اليمن ومساعدة إخواننا في اليمن على تخطي الصراع الحالي عبر الحوار وترسيخ الأمن والاستقرار ومن ثم الانطلاق في عملية البناء والتنمية.
* من جانب آخر وفيما يخص إيطاليا، نحن نقترب من موسم الحج في ماذا تتمثل التسهيلات التي ستقدمها السفارة السعودية للجالية المسلمة لأداء مناسك الحج؟
- المملكة العربية السعودية تفخر بأن الله شرّفها بخدمة الحرمين الشريفين وخدمة حجاج بيت الله الحرام، ومن أولى أولويات حكومة خادم الحرمين الشريفين الإنفاق بسخاء في مشاريع عملاقة غير مسبوقة لتوسيع الطاقة الاستيعابية للحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة. وفي هذا الصدد أيضاً، تحرص حكومة خادم الحرمين الشريفين عبر كل سفاراتها على تقديم كل التسهيلات لتوفير الفرصة لأداء فريضة الحج لمن استطاع اليه سبيلاً من المسلمين في شتى أنحاء العالم. ونحن في إيطاليا جزء من هذه المنظومة، حيث تقوم وزارة الحج في المملكة بمراقبة الشركات الخاصة المتنافسة والمتعددة التي عبرها يستطيع الحاج المقيم في إيطاليا أن يختار ما يناسبه منها مع تشديد الرقابة عليهم في الوفاء بما تضمنه عقودهم من خدمات إيواء وفندقة ونقل وغير ذلك.
* تقدم المملكة العربية السعودية مساعدات مختلفة الأنواع إلى الجالية العربية والإسلامية في إيطاليا، لو تفضلتم أن تقدموا لنا توضيحات عن ذلك؟
- بحمد الله المملكة العربية السعودية تفخر بأنها تضع في أولى اهتماماتها خدمة الإسلام والعروبة، ونحن في روما، سفير خادم الحرمين الشريفين هو أيضاً رئيس مجلس إدارة المركز الثقافي الإسلامي في إيطاليا (ما يعرف بالمسجد الكبير لروما) ونحن نوفر معظم ميزانية المركز منذ تأسيسه الى اليوم بدعم سخي من خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - وذلك لهدف وحيد هو خدمة الإسلام والمسلمين في إيطاليا. كما أنّ سفير خادم الحرمين الشريفين هو رئيس مجلس إدارة مدرسة الملك عبد العزيز في روما التي تمنح فرصة التعليم لأبناء الجالية وليس للسعوديين فقط بل للعرب أيضاً، كما أنّ المملكة تشارك بفعالية وكثافة عبر السفارة والملحقية الثقافية في الأنشطة الثقافية والفنية التي تحفل بها الدولة الإيطالية، وبالتنسيق أيضاً مع مجلس السفراء العرب لإبراز الثقافة والحضارة العربية والإسلامية.
* كيف تنظرون إلى تطوير العلاقات الإيطالية السعودية على الأصعدة الثقافية والسياسية والاقتصادية؟
- تربطنا علاقات متينة مع إيطاليا تمتد لأكثر من 82 عاماً، ونحن حريصون على تنمية وتطوير هذه العلاقات في كافة المجالات بما يخدم ويحقق المصالح المشتركة للشعبين الصديقين، على أساس من الاحترام المتبادل، ولكن رغم هذه الجهود المشتركة بين البلدين إلا أن الطموح ما يزال أن يتحقق أكثر من الآن.
* باعتباركم من الداعمين للثقافة ومن المشجعين للاستثمار فيها، هل لديكم برنامج لتطوير هذا القطاع لا سيما في ما يخصّ الجانبين الإيطالي والسعودي؟
- السفارة والملحقية الثقافية ومجلس السفراء العرب والمركز الإسلامي والمدرسة السعودية كلها مشاركة في الأنشطة الثقافية المتعددة. ففي المرحلة الحالية الموسومة بالعولمة وظهور تيارات الإجرام والإرهاب والتطرف من جهة وتيارات العنصرية التي تروج للإسلاموفوبيا والصراعات من جهة أخرى، فإنّ العمل الثقافي الذي يدعم التفاهم المتبادل ويعمق قيم الانفتاح والحوار يبدو لي بالغ الأهمية ويوازي العمل السياسي، وهو بلا شك محل اهتمام حكومة خادم الحرمين الشريفين، ولا سيما أنّ المملكة رائدة في دعم الحوار بين أتباع الديانات والثقافات المختلفة ولنا تعاون في هذا المجال مع الدول الغربية مثل إيطاليا وحاضرة الفاتيكان وغيرهم.