محمد المنيف
لم يعد لجيل هذا الزمن ما كان لجيلنا وما قبله من الأجيال من صبر على القراءة والبحث عن أكبر كتاب أو مقال لقناعتنا بأنه الأكثر والأجزل في جانب الفائدة وتلقي المعلومة. أما اليوم فأسلوب الكبسولة هو المتبع لإيصال أي فكرة أو معلومة. ونعني الاختصار إلى أدنى حد من الكلمات، كما نرى في تغريدات تويتر أو رسائل الجوال أو الواتس، وصولاً إلى تقنيات الصورة العاجلة (التقاط اللحظة). وكما هو معروف، فإن الصورة أكثر تعبيراً ونقلاً للحدث أو المعلومة.
هذا الوقع لم يمنعني وجيلي ومَن هم مِن محبي قراءة الروايات أو عشق الكتاب السمين جسداً والثمين فكراً ومحتوى من البقاء على هذا الحب والاهتمام، إلا أن بعض الكتب ما يخالف ظني أو وصفي بأن للحجم أهميته؛ فقد تكون الفائدة في الأقل حجماً والأقل صفحات، كما في كتاب (فلسفة الجمال) للأديبة والباحثة د. أميرة حلمي مطر، الصادر عام 85م، الذي لا يتعدى حجمه كف اليد، وصفحاته المائة والسبعين صفحة، والذي يضم بين دفتيه ما يغني عن مئات الصفحات. كان الكتاب يكاد يختفي مع أقرانه من الكتب التي يشترك معها في الحجم والمساحة في مكتبتي من بين الأرفف الأخرى التي تحتضن أحجاماً أكبر وأكثر صفحات.
يتضمن الكتاب المعنون بـ(فلسفة الجمال) العديد من العناوين، وقدمت له المؤلفة بمقدمة غنية، أقتطعُ منها قولها: «إن الجمال قيمة وهدف، يسعى الفنان إلى أن يضمنه فنه، ويحققه في إنتاجه، ولكن الفيلسوف لا يلبث أن يشارك بفكرة عمل الفنان؛ ذلك لأن للقيم لهذا العمل المحلل ما ينطوي عليه من أهداف».
وفي مرور عاجل على العناوين الداخلية نجد (الفن وفلسفة الجمال)، (الإحساس بالجمال)، (ما هو الفن)، (الجمال والحق)، (الجمال والخير)، (ما هو الجمال) و(المذاهب الكبرى في فلسفة الجمال). ويتبع كل عنوان شرح لما يعنيه؛ لتنتهي المؤلفة بخاتمة نقتطع منها: «إن الإحساس بالجمال هو الموضوع الرئيسي في فلسفة الجمال اليوم؛ لأنه أساس قيام ذلك العلم الحديث، علم الجمال، أو الاستطيقيا. وقد تشعبت وجهات نظر الباحثين في هذا العلم، واختلفت مناهجهم، لكنهم التقوا عند تفسيرهم له بأنه العلم الذي يتناول تحليل ذلك النوع من المعرفة الكامنة في الفن والإدراك المتعلق بالجمال».
إصدار قديم في زمن ولادته إلا أنه معاصر في طرحه. هذا النوع من الكتب، سواء كان صغيراً في حجمه أو كبيراً أو منشوراً على سُبل التواصل والمواقع، مادة مهمة لا يستغني عنها أي فنان مهما كانت تجربته، شاباً كان أو صاحب سنوات طويلة من التعامل مع الفن ممارساً؛ فلا بد له من العودة لهذه الموارد والينابيع النظرية التي تعد أهم ركائز العمل الفني.