عروبة المنيف
عند خروج مئات الآلاف من اللبنانيين إلى الشوارع قبل عشر سنوات محتجين على الوجود السوري في لبنان، مطالبين برحيله وبإخلاء القوات العسكرية السورية لجميع ثكناتها من لبنان، وذلك عقب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري «رحمه الله» الذي تلطخت أيادي حزب الله بدمائه.. وبخروج السوريين من لبنان ينتهي الوجود العسكري الاستخباراتي السوري في لبنان الذي دام ما يقارب التسعة وعشرين عاماً.
للأسف الشديد، لم تكتمل فرحة اللبنانيين فقد خرج السوريون من لبنان مودعين ذلك البلد الضعيف إلى قيادة حزب الله المؤتمر بأمر طهران متمكِّناً من جميع مفاصل الدولة اللبنانية التي لا يزال الحزب إلى الآن هو رأس الحربة فيها.
خلال تلك المظاهرات والمسيرات والاحتجاجات المطالبة بخروج السوريين من لبنان، رفع اللبنانيون شعار: «فاجأناكم مو» وكلمة «مو» هي كلمه تقريرية باللهجة السورية تعني «أليس كذلك» تعبيراً عن الاستهزاء بالنظام السوري الذي استحكم في مفاصل الدولة اللبنانية آنذاك وما زال جاثماً على صدور السوريين إلى الآن.
المفارقة الغريبة وبعد انطلاق «عاصفة الحزم» وخروج المارد السعودي وإدراكه بأن عصر الحزم قد حان لإيقاف تلك الزمر المارقة والخارجة عن القانون عند حدها أمثال داعش والحوثيين والقاعدة وغيرهم، وبانطلاق التحالف العربي والدولي بقيادة السعودية للقضاء على الحوثيين واستعادة الشرعية في اليمن، ينتفض أولئك المأزومون متفاجئين وكأن صعقه كهربائية قد أصابتهم في مقتل، لتبدأ الأبواق المستعرة في النهيق وإخراج ألسنة من اللهب من أفواههم لتحرقهم قبل غيرهم وتحرق أجنداتهم وتكشف زيف منطقهم وعظيم خياناتهم.
فها هو «خامنئي» رأس الأفعى الفارسي يصرح ويصف السياسة السعودية الحالية «بالمتهورة» بعد أن كانت تتصف بالاتزان!.. وذلك بقوله إن «شباناً قليلي الخبرة هم من يتولون زمام الأمور في البلاد».
تلك الصعقة تسربت إلى جسد خادم الفرس الأمين «حسن نصر الله» الذراع اليمنى للولي الفقيه ليزبد ويرعد متفاجئاً هو الآخر من هول تلك العاصفة التي عصفت بعقله مستمراً بهذيانه متسائلاً: «ما الذي جرى حتى هبت تلك العاصفة؟.. وكيف حصلت هذه الإرادة العربية والحزم العربي» على حد تعبيره متاجراً بالقضية الفلسطينية كعادته من أجل مصالح ولي نعمته الإيراني.
وتتوالى الأبواق الكومبارسيه في بث شرارتها الألسنية الملتهبة والتي أشعلتها نيران أفئدتهم المليئة بالحقد والحسد، ينقصها الحجة والمنطق لحميم العلاقة بين الحقد والحسد وبين الحمق والجهل، تلك الأبواق للأسف أبواق عربية لبنانيه اشترت إيران ذممها لتدّعي فينيقيتها متنازلة عن عروبتها متهمه المملكة وشعبها «بالبداوة والتخلف»، ولم تُقدّر ما قدمته المملكة حكومةً وشعباً من إعانات وهبّات مادية ولوجستية للبنان من أجل الحفاظ على كيان الدولة اللبنانية من الانهيار.
لقد كان حجم المفاجأة كبيراً جعلهم يغوصون في وحل طائفيتهم، فها هم يتهمون السعودية وحلفاءها بأن هدفهم القضاء على الشيعة من خلال القضاء على الحوثيين كطائفة «شيعية» متناسين أن المملكة هي من أهم دول التحالف الدولي ضد داعش «السنية».. فالتفكير منصب الآن على القضاء على تلك الفرق المارقة من أجل السلم الأهلي والوطني وحماية حدود المملكة الجنوبية من «الحوثيين» والشمالية من «الداعشيين»، وحماية الشرعية الدولية في اليمن وتقليم أجنحة تلك الفرق المارقة وإعادتها إلى صوابها.
إن حجم المفاجأة كان صاعقاً لهؤلاء بدءاً من الفارسي، وانتهاءً بمجموعة الكومبارس العربي الخائن الذي يطرب الولي الفقيه بمزاميره الذي لا يرى أبعد من أرنبة أنفه بعزفه على اللحن الإيراني.
لقد عانى الوطن العربي من التشرذم والتفكك عصوراً مديدة ويحتاج في هذه المرحلة العصيبة من انطلاقاته إلى دعم أبنائه من أجل إعادة بناء البيت العربي أمام الخذلان الغربي المزمن الذي لا تحركه سوى أطماعه، كان لا بد من تلك المفاجأة العربية بامتياز، وكان لا بد من خروج المارد السعودي أمام المارد الإيراني، لنقول لتلك الأبواق سواء الفارسية أو العربية بلسان عربي فصيح: «فاجأناكم؟.. أليس كذلك؟»!