عروبة المنيف
إن الخيانة تصرف مقيت سواء كانت على المستوى الفردي أو الجماعي أو الأممي، فهي تفكك أسراً وتشوه مجتمعات وتهدم دولاً. فالطبيعة البشرية مجبولة على الخير والشر، ونماذج الخونة موجودون في كل المجتمعات، ومنذ بدء الخليقة والتاريخ البشري يحدثنا بالكوارث التي حلت على العديد من البلدان والأمبراطوريات والخلافات جراء الخيانات التي قام بها بعض الناس لبني جلدتهم. فالخيانة بمعناها اللغوي هي إنعدام الإخلاص، وتقديم الغدر، والجحود للولاء، والخيانة العظمى تكون بالتفريط في أسرار الدولة وأمن الأوطان في سبيل مصالح ومنافع شخصية معرضين مصير الوطن للتلاعب والعبث ومن ثم السقوط.
إن التاريخ العربي حافل بالخيانات ومن قبل قيادات عربية خانت أوطانها واستباحتها للأجنبي ممرغة كرامتها في التراب.
فمنذ بداية الثورة الخمينية في أواخر السبعينيات من القرن الماضي وظهور نجم الخائن الأول الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين الذي خان وطنه العراق قبل أن يخون وطنه العربي الكبير، فقد مدت معظم الدول العربية أياديها لمعاونته في حربه الذي خاضها لمدة ثماني سنوات ضد إيران وزودته بالمال والسلاح والعتاد، فماذا كان رد فعله سوى إنكار الجميل وقيامه باحتلال الكويت تمهيداً لاحتلال بقية دول الخليج. ويتوالى مسلسل الخيانات العربية، فها هو الخائن الثاني صاحب العمامة السوداء السيد حسن نصر الله المؤتمر بأمر طهران، باع وطنه لبنان في سوق النخاسة الإيراني من أجل أطماع مالية سلطوية معرضاً بلاده للفوضى والقلاقل وانعدام الأمن، ويتبعه الخائن الثالث رئيس وزراء العراق الأسبق نوري المالكي ليبيع وطنه في السوق الإيراني ذاته، ولا يخفى على الجميع الفوضى العارمة التي تعاني منها العراق منذ الاحتلال الأمريكي إلى الآن. لقد قام الولي الفقيه الإيراني بدس الطائفية كطعم لهؤلاء الخونة بهدف تحقيق مآرب سلطوية وإحكام السيطرة الإقليمية. يلحق بهم خائن رابع، ذلك الأسدي المتوغل في الوكر الإيراني إلى النخاع، مغرقاً دمشق وجميع المدن السورية في وحل الخيانة، منتهكاً عرض وطنه، طاعناً شعبه بخنجر غدره، مشرعاً أبوابه ومستبيحها لقمة سائغة للسبي من قبل الحرس الجمهوري الإيراني والفرق الإرهابية المتطرفة أمثال داعش والنصرة.
ولا يتوقف مسلسل الخيانات عند هذا الحد بل يتمادى، وتتطاول إيران لتصل إلى اليمن تمهيداً لاقتحامها دول الخليج، ويستمر اللعب على الورقة الطائفية من قبل طهران ناشرةً الفوضى وشراء الذمم في أعظم مزاد شرق أوسطي لبيع الأوطان الذي دشنته إيران مستغلة ضغف الضمائر العربية الشعبية، عازفة على أوتار الطائفية الدينية التي يطرب لها الولي الفقيه ويتراقص عليها ضعاف النفوس من العرب. فها هم الحوثيون يتراقصون في مسيرةٍ هزلية يتقدمهم الخائن الخامس علي عبدالله صالح متأبطاً عميله عبدالملك الحوثي، مستبيحين وطنهم اليمن للانتهاك الإيراني، عارضين صنعاء وعدن مدناً رخيصة مكسورة ومحطمة.
والمثير للسخرية أن جميع تلك الدول التي خانها أبناؤها تعاني من الحروب والويلات والاضطرابات التي لا تتوقف، وكأن لعنة الخيانة تطارد بلدانهم، فعند الإخلاص للأوطان يفيض الله علينا ببركاته لننعم بالرخاء والاطمئنان، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} (96) سورة الأعراف.
كان لا بد من التحرك لإيقاف هذا «المزاد» الهزلي وإيقاف هذا المسلسل من «الخيانات» العربية وكان لا بد من «الحزم».
إن التحالف العربي في العملية العسكرية «عاصفة الحزم» أعاد إلينا إحساس «النخوة العربية» و»الكرامة العربية» و»العزة العربية» من أجل إيقاف مهزلة بيع الأوطان بأبخس الأثمان وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من «أوطان برسم البيع».