عروبة المنيف
تعتبر مواجهة الذات من الأمور الصعبة مقارنةً بمواجهة الآخرين لأن مواجهة الآخرين تتطلب إيجاد مبررات للتصرفات والأفعال التي نقوم بها، فالإسقاطات جاهزة ومعلبة دائماً ولا تحتاج إلى طباخ ماهر ليتقنها ويكون لها طعم مميز ورائحة شهية، إنها أعذار متكررة دائماً لنفس المواقف، بينما نجد أن مواجهة الذات لا يفصلها حواجز ويتم الكشف
عن زيف تلك الإسقاطات من المواجهات الأولى مع النفس، لذلك يهرب الكثيرون من مواجهة ذواتهم والاعتراف بأخطائهم لسهولة كشفها وبالتالي القدرة على استدراكها بقوة الإرادة والعزيمة.
الكثير من الأفعال المستهجنة في مجتمعنا يتم تزيينها ووضع المساحيق التجميلية عليها من أجل قبولها، فتجد المبررات جاهزة والتنصل من المسؤوليات سريعة، حيث تفرض نفسها وبقوة وبدون الأخذ بالاعتبار مدى تأثير ذلك على الآخرين المتضررين منها وبدون أي وخزة ضمير أو إحساس بالتقصير.
من الأمثلة الشائعة على تلك الأفعال، زواج الرجل بامرأة ثانية على زوجته، هي فعلٌ مستهجن عندما يعتبره الزوج بأنه حق من حقوقه حلله له الشرع بدون قيود أو شروط أو أي مبررات عقلية ومنطقية.
أنا لا أريد في هذا السياق الدخول فيما حلل الشرع أو ما لم يحلل، هي قضية فقهية لها مرجعياتها الفقهية ولا مجال لها الآن، ما أريد طرحه هي قضية أخلاقية بحتة، يسلكها بعض الرجال عندما يقترنون بزوجة ثانية، فهم يحاولون تبرير فعلتهم بإنزال ما في البشرية من عيوب ونواقص على الزوجة الأولى من أجل أن يستبيح المجتمع لهم العذر في فعلتهم تلك ويؤيدهم عليها، فهو المسكين الذي عانى الأمرين من ظلم الزوجة الأولى نتيجة عدم إيفائها بمسؤولياتها الزوجية تجاهه، فما قام به لا علاقة له البتة بنزواته وشهواته وأنانيته، بل إنها هي المسؤولة بشكل مباشر عما قام به وعما نزل بها من ضرر وذلك بجلب «ضرَّة» لها.
إن مواجهة النفس تتطلب الشجاعة والصراحة والصدق مع الذات ومع الآخرين، فإذا أردت أيها الرجل أن تتبع نزواتك وشهواتك، كن صادقاً مع نفسك قبل الآخرين، فلا ترتكب خطآن، خطأ الإضرار بالزوجة الأولى وجلب لها «ضرة»، وخطأً ثانياً بمحاولاتك إلباسها ثوب العيوب الذي فصلته على مزاجك وأهوائك وطرزته بأكاذيبك.
يزداد الأمر سوءاً عندما يكون بينهما أبناء لن يرضيهم ما يقال عن والدتهم من قبح القول الصادر من أقرب الناس إليهم! ماذا ستكون ردود أفعالهم؟، فهذا أبوهم وتلك أمهم، ولا تهون عليهم والدتهم، وطاعة الوالدين تمنعهم من مواجهة أبيهم أو تأنيبه على تلك التصرفات ولا سيما أن والدهم هو قدوتهم ومثلهم الأعلى، ناهيك عن الدرس التي تم تلقينه للأبناء حيث ستزداد أعداد ضحايا النزوات والشهوات الأبوية فأولها الزوجة الأولى، وثانيها الأبناء الذي سيصبح لديهم إرباكاً وتشويشاً فيما يتعلق بالمفاهيم الأصيلة من قيم وأخلاق ونبل وشهامة ومثل عليا، وثالثها المجتمع حاضن الجميع.
لنحترم علاقاتنا معشر الرجال، فلا نحاول تبرير تصرفاتنا أو أخطائنا على حساب تشويه صورة الآخرين والحط من قيمتهم وقدرهم ولا سيما إذا كان الآخرون هم من أقرب المقربين الذي يفترض أن نكن لهم الاحترام والمحبة والمودة وحسن العشرة، فالنفوس السوية هي التي تكون صادقة ونزيهة مع ذاتها قبل الآخرين.