أ. د.عثمان بن صالح العامر
في بادرة رائعة وجميلة أقام خطيب وإمام وجماعة وأهالي مركز الدلم مساء الأربعاء الماضي 12-6-1436 للهجرة حفل تكريم وتوديع للشيخ سعد بن عبد الله الدريهم الذي أمضى خمسة وأربعين عاما يؤذن في جامع الملك عبد العزيز بالدلم حتى كبر وأرهقه المرض وهده التعب - شفاه الله وعافاه وجعل ما قام به في موازين حسناته- فترك ما عايشه وحافظ عليه كل هذا العمر الطويل.
شخصياً لا أعرف هذا الرجل، ولم تطأ قدمي الدلم من قبل، ولكنني سمعت ما قيل فيه صبيحة يوم الأربعاء الماضي عبر برنامج «بك أصبحنا» فسرني ما سمعت، وعجبت لحال مثل هؤلاء الرجال الذين نذروا أنفسهم خدمة للمسجد واهتماماً بهذه الشعيرة العظيمة، قاموا بالواجب الذي طوقوا أعناقهم به بكل أمانة وصدق وإخلاص، رغبة ورهبة، خوفاً ورجاء لما هو في رحم الغيب عند الله ليس إلا.
يذكر عنه إمام الجامع أنه كان يضحي بكل شيء حرصاً على المسجد، يحرم نفسه الذهاب مع أولاده للشرقية ومكة والمدينة لأداء العمرة إيماناً منه بأن الواجب أحق بالوفاء وفيه الأجر والثواب، كما ذُكر عنه في ثنايا التغطية الإعلامية المتميزة أنه كان يختم القرآن كل ثلاثة أيام.
كم تمنيت أن يسمع شباب اليوم ويتعرفوا على مثل هذه النماذج الرائعة في الحرص والمثابرة والاستمرار والمحافظة رغم تكرر الأذان خمس مرات في اليوم ولمدة خمس وأربعين سنة.
إنني في الوقت الذي أحمد الله عز وجل أن جعل بيننا ومنا مثل هذه النماذج المتميزة أتطلع إلى تكريم هؤلاء الرجال على مستوى وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد؛ فمعالي الوزير الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ المعروف بعنايته واهتمامه بالمساجد في جميع مناطق المملكة يدرك صعوبة وجود أمثال أبي عبد الله في مساجدنا اليوم، ويعرف جيداً ماذا يعني التكريم لهذه الشخصيات بالذات.
هناك فئات كثيرة تقوم بأدوار مهمة في حياتنا وتقدم خدماتها لشريحة عريضة في المجتمع، والعائد المادي الذي يحصلون عليه لا يوازي ما يبذلون من جهد ويمضون من وقت ويتحملون من متاعب ومشاق، هؤلاء غالباً تكون مقاييسهم ومعاييرهم ونظرتهم تختلف عن أولئك الذين يخضعون الكل حتى الأشخاص والعلاقات والصداقات للمقاييس المادية الصرفة لا غير، والمؤذنون -هذه الفئة العزيزة على قلوب جماعة المساجد ومرتاديها - تتربع على رأس القائمة في نظري، فهم ربما كان منهم الإمامة والخدمة والعناية والرعاية والاهتمام ببيوت الله عز وجل في ظل ما نعرفه جميعاً من واقع مساجدنا الذي لا يخفى، ولذلك من وجهة نظر شخصية أعتقد أن رفع مكافأة المؤذنين أمر ملحّ في هذه الأيام التي كثرت فيه المشاغل وتعذر معها الظفر بمن يحافظ على الأذان خمس مرات في اليوم، مع التأكيد لما سبق، وأن ما سقته هنا من أن هؤلاء النماذج لا ينظرون إلى العائد المادي بحال، وإنما يرجون أن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله «ورجل قلبه معلق في المساجد»، يتمنون أن يصدق عليهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة)، (من أذن ثنتي عشرة سنة وجبت له الجنة، وكتب له بتأذينه في كل يوم ستون حسنة وبإقامته ثلاثون حسنة)، (إن المؤذن يغفر له مدى صوته، ويصدقه كل رطب ويابس سمع صوته والشاهد عليه خمس وعشرون درجة)، (المؤذن يغفر له مد صوته وأجره مثل أجر من صلى معه)، لك مني أبا عبد الله الشيخ سعد بن عبد الله الدريهم صادق الدعاء بأن يجزيك الله خير الجزاء ويشفيك بشفاء من عنده شفاء عاجلاً غير آجل، شفاء لا يغادر سقما، وأن يجعل ما أصابك رفعة في الدرجات وتكفيراً للسيئات وأن يجعلنا وأياك ممن طال عمره وحين عمله وأن يختم لنا جمعياً بخير،، اللهم آمين، وتقبلوا جمعياً صادق الود والسلام.