أ. د.عثمان بن صالح العامر
الوطن ليس أرضاً ولا شعباً ولا راية فحسب، بل هو قبل هذا وذاك عقيدة وقيادة ونظام، ولا يمكن لعاقل مهما كان أن يفرط أو يتهاون أو يتنازل عن مُشكّلات ومكونات كيانه الذي يعتز به ويفخر ويفاخر فيه، ويعدّ وجوده في حياته وتنعمه بالأمن في ربوعه نعمة عظيمة ومنة كبيرة يسّر الرب تحققها واستمرارها في ظل قيادة حكيمة وحازمة، تضع الأمور في نصابها، وتسعى جهدها في حماية حدودها وتنعم شعبها برغد العيش وطمأنينة النفس وسلامة الجسد وسكن الروح.
أقول هذا وأنا أتابع عن كثب ردود الفعل وأحاديث الناس وتغريداتهم حيال عاصفة الحزم، فينتابني العجب جراء حديث القلة القليلة من المثقفين عن قضايا وطنهم المصيرية بلغة ضعيفة وعبارات فجة وهمّ باهت، وغاب عن بالهم أننا اليوم نقف جميعاً في خندق المعركة خلف قائد الأمة البطل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز الذي أيقن أن للجار حق النصرة، وللشرعية حق الحماية وضمان الاستمرارية، وعلى العرب ومن بعدهم المسلمون واجب الاجتماع والتآلف والتسامح والتراص.
لقد مر تاريخنا العربي المعاصر بمنعطفات خطيرة، وأزمات صعبة عصفت بمقدراته، ودمرت مكتسباته، وشتت شمله، وهجرت عقوله، ونسفت قيمه ومبادئه وممتلكاته ومقتنياته؛ فصار أثراً بعد عين، وخبرًا ترويه الأجيال للأسف الشديد. والإشكالية الحقيقية والجرح الذي لن يندمل أن من أبناء العرب المثقفين وأهل تلك الأقطار المفكرين من باع وطنه تحت جنح الأحلام، ومعسول الكلام، والأماني التي رحلت مع مغيب الشفق الذي لطخ بسواده الحزين رقعة عالمنا العربي المعاصر، وبقيت بفضل الله ومنّه ثم بوجود قيادات واعية لمهددات الأوطان ومنغصات الوطنية الصحيحة، بقيت منطقة الخليج وبلادنا الغالية المملكة العربية السعودية حصناً حصيناً وسداً منيعاً أمام موجة ما أطلق عليه جوراً وظلماً وبهتاناً «الربيع العربي»!!!.
نعم إن مسئولية السياسيين والعسكريين في هذا الظرف الذي نمر به عظيم، ولكن على المثقفين والكتاب والتربويين مسئولية وطنية لا تقل عمّن سبق، فالجماهير تقرأ، والناس تتساءل، والشعب متعطش لمعرفة أدق التفاصيل، فالله الله أن يؤتي الوطن من قبلك أيها المثقف السعودي سواء كنت مغرداً أو كاتباً أو باحثاً أو مربياً أو إعلامياً ومحللاً.
لقد شارك شريحة من مثقفي هذا البلد العربي أو ذاك في تدمير بلادهم يوماً ما تحت شعارات عدة ولأسباب مختلفة؛ إذ منهم من كان يعتقد جازماً أنه يؤسس لإصلاح وطني، وآخر يدعي زوراً وبهتاناً أن صنيعه هذا سيفعل المعجزات، وثالث يظن أن في ما يقدم عليه يمارس الحرية التي هي حق بلا قيد له ولغيره، ورابع وخامس وسادس وآخرون كثر، فصاروا اليوم جميعاً- إلا ما ندر - شعبا بلا وطن، يعيشون على فتات موائد الآخرين في بلاد الغربة ومحطات الأمل بغد قادم موعود، أقول هذا لا شماتة فيهم، ولا تهكماً وسخرية لا سمح الله، ولكن من باب أننا مطالبون بأن نقدر للحرف حقه وننزل الكلمات منزلتها الصحيحة بلا إفراط ولا تفريط ونستشعر خطورة الإشاعات وضرر المبالغات وعظم جناية المساومات وتقديم التنازلات وشيوع التصنيفات.
نحن اليوم في ظرف استثنائي، «فقل خيراً أو اصمت»، وإذا كان هذا الكلام يقال للكل وفي جميع الأوقات فهو في هذا الوقت بالذات، وفي حق المثقف السعودي على وجه الخصوص أشد وأعظم، ومتى استشعر كل منا مسئوليته وقام بالواجب الملقى على عاتقه وحمى الوطن حسب استطاعته وجهده نجت سفينة المجتمع وحفظ الله مقدرات الوطن ومكتسباته ودام الأمن واستمر الاستقرار ورفرفت راية السلام وعم الرخاء والأمان ودمت عزيزاً يا وطني وإلى لقاء والسلام.