د.عبدالله مناع
بعد أن كسرت (عاصفة الحزم) شوكتهم، وخلخلت تحالفهم مع (المخلوع) أو (الساقط) علي عبدالله صالح.. عاد (الحوثيون) إلى أسلوب خداعهم الساذج الذي اعتمدوه منذ البداية وصدقهم فيه اليمنيون ببراءتهم وحسن نواياهم.
عندما أخذوا يسربون هذه الأيام عبر قياديهم، وبعد كل الجرائم والفظائع التي ارتكبوها في حق اليمن واليمنيين منذ اجتياحهم (صنعاء)، بأنهم يقبلون بـ (العودة) إلى الحوار لحل (أزمة) انتقال السلطة في اليمن سلمياً التي تجاوزها اليمنيون عام 2011م.. بقبولهم بـ (المبادرة الخليجية)، التي دعمتها الأمم المتحدة ومجلس الأمن بقراريهما رقم (2011) و(2014).. مقابل إيقاف غارات (عاصفة الحزم)؟! هكذا.. وهو ما لن ينطلي على دول تحالف (عاصفة الحزم) التي تقودها (المملكة)..!
فقد رفضوا المبادرة الخليجية المدعومة أممياً.. بداية، وعندما رأوا أن اليمنيين جميعاً بكل أطيافهم قبلوا بها.. عادوا لـ (قبولها)، ولكن بعد أن انتهت المرحلة (الأولى) من عمر المبادرة.. بـ (انتخاب) الرئيس عبدربه منصور هادي، وأخذ يمارس صلاحياته.. وصولاً لدعوة أطياف اليمنيين جميعاً للانخراط في مؤتمر (الحوار الوطني اليمني الشامل) الذي سيتولى رسم حاضر ومستقبل اليمن الجديد.. كانوا (هم) و(حراك الجنوب) أول الرافضين للانخراط في اجتماعاته والمساهمة في صياغة (مخرجاته) وإن اختلفت أسبابهما، فـ (الحوثيون).. اشترطوا لدخولهم إلى الحوار أن تعترف (رئاسته) مسبقاً بحقهم في (تقرير المصير) قبل انخراطهم في أعمال لجانه.. ولا تسل الحوثيين عن أي مصير هذا الذي يتحدثون عنه؟
أهو مصيرهم.. أم مصير محافظة (صعدة)..؟!
بينما كان (حراك الجنوب).. يعلن - في ذات الوقت - عن رفضه المشاركة في الحوار اليمني الشامل.. لأنه يرفض الجلوس على مائدة واحدة مع هؤلاء الحوثيين (الأوباش)!! الذين لا يفقهون في السياسة شيئاً، والذين مايزالون يغطون في (غيبوبة) تاريخية.. انتصاراً لـ (الإمام علي بن أبي طالب) أمام منازعه (معاوية بن أبي سفيان).. بعد أكثر من ألف وأربعمائة عام من انتهاء ذلك الصراع، وأخرى (إمامية زيدية).. تطالب بـ (استرجاعها)!! قبل أن ينتقلوا إلى (الإثنى عشرية).. وينسون مطلبهم بعودة الإمامة الزيدية، إلا أنهم دخلوا في النهاية لـ (لجنة صعدة).. ليعارضوا اختيار السيدة نبيلة الزبيري لـ (رئاستها)، بحجة أنه لا خير في أمة تتولى شأنها (امرأة).. ثم عادوا عن ذلك، وانخرطوا في أعمالها.. إلى أن تم التوافق على مخرجاتها، وتم تسليمها لـ (لجنة) صياغة الدستور.. إلا أنهم ظلوا طوال الوقت يتكتمون تربصهم بـ (المبادرة)!؟ ويتحينون لحظة الانقضاض عليها، وهم يعملون في ذات الوقت على توثيق وتطوير علاقاتهم بـ (إيران).. حتى جاءتهم فرصة قرار الرئيس عبدربه بـ (رفع) الدعم عن المنتجات البترولية، الذي أعطاهم شرعية التظاهر عليه.. حيث التف حولهم اليمنيون المتضررون فعلاً من رفع الدعم، والذي أضاف إليه الحوثيون.. مطلبين مخادعين آخرين وإن بديا (وطنيين) في أعلى درجاتهما.. هما: تغيير حكومة الوحدة الوطنية الفاسدة!! وسرعة تطبيق مخرجات الحوار الوطني الشامل..!!
ومع أن الرئيس استجاب لـ (مطلبين) منهما: (إعادة الدعم وتغيير الحكومة).. إلا أن الحوثيين ظلوا يواصلون سيرهم نحو إسقاط (المبادرة)، واستكمال بقية أجندتهم الخفية في الاستيلاء على السلطة.. إلى أن تم لهم ذلك مؤخراً، بتلك الصورة (الهيكسوسية) الهمجية المدمرة التي لم يعرفها اليمنيون طوال أحقابهم الماضية، ليفر الرئيس عبدربه ورئيس حكومته - الجديدة - الدكتور خالد بحاح إلى (عدن)، ليواصل الحوثيون.. سعيهم المحموم للقضاء عليه وعلى شرعيته بالتالي عندما أخذوا يغيرون بطائرات (الساقط) علي عبدالله صالح على القصر الجمهوري بعدن - بعد أن وضعها في خدمتهم إثر تحالفه معهم - لتحقيق الهدفين: القضاء على الرئيس عبدربه.. وعلى شرعيته (معاً)، ليقع الوطن اليمني كله.. في قبضة فوضاهم وتدميرهم، وهو ما دعا الرئيس عبدربه.. لطلب التدخل العسكري من قبل أصحاب المبادرة الخليجية.. لنجدته، ونجدة الشرعية.. ونجدة اليمن من الوقوع في قبضة الحوثيين بأجندتهم الملتبسة.. أو الوقوع في قبضة الساقط علي عبدالله صالح.. الذي ظهر أن الثلاثة والثلاثين عاماً من حكم اليمن لم تكفه.. ولم تشبعه الأموال التي استولى عليها، والتي قيل إنها بلغت أكثر من ستمائة مليار دولار!؟ فكانت (عاصفة الحزم).. وكان التحالف من أجلها بقيادة (المملكة).. وكما فصلت ذلك في مقال الأسبوع الماضي.
* * *
لقد كان متوقعاً.. بل و(مفترضاً) أن يصدر (مجلس الأمن)- باعتباره الراعي والداعم الأممي لـ (المبادرة) وآليتها التنفيذية في انتقال السلطة سلمياً لمن يختاره اليمنيون - (قراراً).. مشابهاً لقراره السابق بعدم الاعتراف بما أسماه الحوثيون بـ (الإعلان الدستوري)، وما ترتب عليه من حل لكل المؤسسات الدستورية اليمنية من (الوزارة) إلى (مجلسي) النواب والشورى.. إلى (المحكمتين) العليا والدستورية، ودعوة لليمنيين الذين أصبحوا تحت قبضته في العاصمة (صنعاء).. ليختاروا مجلساً رئاسياً (مؤقتاً) من خمسة أو ثلاثة أعضاء لـ (إدارة البلاد).. على أن يكون نائب الرئيس فيه (حوثياً)!؟
لكن.. وكما غاب السفير جمال بن عمر فجأة -بعد مشاركته التوقيع على اتفاقية أو خديعة (السلم والشراكة).. وربما حمله الرئيس عبدربه على التوقيع عليها - عن المشهد اليمني مع فرار الرئيس عبدربه.. غاب قرار مجلس الأمن المفترض والمؤيد لرفض الانقلاب الحوثي على الشرعية وما ترتب عليه، وهو ما فتح الباب في الأسبوع الثاني من (عاصفة الحزم) لروسيا الاتحادية.. لأن تتقدم بمشروع (هدنة إنسانية) تتوقف فيها الغارات ليوم أو يومين حتى يمكن إدخال المساعدات الطبية والعلاجية والإنسانية عموماً إلى داخل اليمن، ودفع - في المقابل - دول تحالف (عاصفة الحزم) للتقدم إلى (المجلس) بمشروع قرار يطالب.. بـ (فرض) العقوبات على كل من زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي، وابن شريكه (الساقط) علي عبدالله صالح.. جراء انقلابهم على الشرعية واستيلائهم بقوة السلاح على السلطة، وحلهم لمؤسسات الدولة الدستورية..!! وهو ما أحسب أنه كان سبباً في تسريب (الحوثيين) لـ (طلبهم) بإيقاف غارات (عاصفة الحزم).. مقابل عودتهم لـ (الحوار)..!؟ عندما يجد بحث الأمر في (مجلس الأمن)، إلا أن رئيسته (الأردنية).. أرجأت عرض الطلبين (الروسي) والخليجي على المجلس.. لإعطاء الفرصة لبقية أعضاء المجلس الأربعة عشر من دائمي العضوية وغير الدائمين فيه، لدراسته.. وبلورة مواقفهم حوله قبل عرضه..؟!
لكن هذه التداعيات.. فتحت الباب أمام دول إقليمية ذات وزن في الشرق الأوسط الكبير.. كـ (تركيا) وباكستان وإيران.. لأن تعبر عن مواقفها وحلولها لـ (الأزمة اليمنية)، والتي قد تتحول إلى طلبات بإصدار قرارات عن (المجلس)، وهو ما سيعني انتقال (الأزمة).. من مستواها الإقليمي إلى المستوى (الأممي), حيث يقوم ميزان (المقايضات) و(المصالح) مقام ميزان العدل الحقيقي، وهو ما سيطيل من عمر الأزمة وأمدها.. في بلد لا يحتمل ولا يتحمل الإطالة فيها أياً كانت درجتها.
وإذا كان عيب المشروع الروسي.. أنه صادر عن حليف لـ (إيران)، وحليف للحليف الإيراني.. (الحوثيين)، فإن مشروع تحالف (عاصفة الحزم).. يظل هو الأكثر اتساقاً وانسجاماً مع قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن اللتان صدرتا عنهما تلقائياً من قبل.. لتبقى (تسريبات) الحوثيين: بـ (العودة) للحوار.. مقابل إيقاف غارات عاصفة الحزم!؟ هي الأكثر إثارة للدهشة بطفولة وسذاجة محتواها.. بين المشروعين، اللذين يمكن الجمع بينهما في مشروع واحد.. يجري التصويت عليه.
فأي (حوار) هذا الذي يتحدث عنه الحوثيون ويريدون العودة إليه.. مقابل إيقاف (عاصفة الحزم)!؟ أهو (الحوار) الذي انقلبوا عليه.. وقد كانوا في قلبه مُمثَّلَين بـ35 عضواً حوثياً في لجنة (صعدة)، وبـ (نائب) لرئيس مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وقد شاركوا في جلساته التي امتدت لثمانية أشهر، وصادقوا على مخرجاته.. وقاموا بتسليمها لـ (لجنة صياغة الدستور).. ثم انقلبوا عليه، وعلى رئيسه الشرعي الذي دعاهم إليه، وعلى وطنهم (اليمن)، الذي كان قاب قوسين أو أدنى من بلوغ المرحلة النهائية من بناء يمن (جديد).. يمن الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة.
إن المقابل لإيقاف عاصفة الحزم أيها (الحوثيون) هو انسحابكم من صنعاء وعدن وإب وزمار والجوف وغمران والحديدة.. والعودة إلى (صعدا)، وتسليم السلطة لأصحابها ورجالها الأكفاء الذين يستحقونها.. فلا تبقى في يد طفولتكم الساذجة البلهاء التي لا تستحقها!!