يوسف المحيميد
يبدو أن العرب لا يستفيدون من الدروس والتجارب، بعضهم يكرر الأخطاء ذاتها التي ارتكبها من قبل، وبعضهم يرتكب الأخطاء التي ارتكبها الآخرون، ولعل أكبر هذه الأخطاء هي مواقف هذه الدول، من غزو الكويت عام 1990، بالوقوف مع الغزاة، ضد أصحاب الحق، وما ارتكبته آنذاك بعض الجاليات العربية المقيمة في الكويت سنوات طويلة من رغد العيش، من فوضى وإساءات للشعب الكويتي الذي وقف مع قضاياهم وناصرهم، ووفر لهم العيش الكريم!
ها هو تلفزيون لبنان الحكومي يبث مقابلة مع حسن نصرالله، صوت إيران في المنطقة، وهو يكيل الشتائم للسعودية، ولحرب عاصفة الحزم، تلك المقابلة التي أجرتها إحدى قنوات نظام الأسد القمعي في سوريا، وليس غريباً أن يتحدث نصرالله بهذه اللهجة، لكن الغرابة أن يبث التلفزيون الرسمي الحكومي اللبناني هذا الحوار كاملاً.
كنا نتوقع أن تبادر الحكومة اللبنانية باعتذار رسمي، ووعد بتحقيق رسمي مع أطراف القضية، والإعلان عن نتائج ذلك، والعقوبات المتخذة، تجاه المتسبب، خاصة أن المتضرر دولة شقيقة لها أياد بيضاء تجاه لبنان، كالسعودية، منذ اتفاق الطائف، وحتى دعم الأربعة المليارات دولار للحكومة والجيش اللبناني، وما بينهما من مساعدات ومعونات، لكن الاعتذار من قبل وزير الإعلام اللبناني جاء بارداً وضعيفاً وجباناً.. نعم نحن نحترم حق حرية الرأي والتعبير، لكننا نرفض الإساءات الشخصية لأي دولة عربية وصديقة، فهناك فرق بين حرية التعبير التي تحفظ كرامة الآخرين، وبين (الردح) و(الشتم) بمسمى حرية الرأي!
وليت الأمر توقف عند مثل هذا الاعتذار المتردد والمتعثر، وإنما عاد وزير الإعلام اللبناني للمشهد من جديد، في إحدى القنوات اللبنانية، معلقاً على ما أعلنه السفير السعودي في لبنان، من اعتذاره للمملكة، بأن هذا الاعتذار جاء بشكل شخصي، وليس باسم الحكومة اللبنانية، ولا أعرف هل من حق وزير دولة قائمة ومستقلة التعبير عن نفسه، والحديث والاعتذار باسم شخصه، رغم أنه يمثل سلطة دولة ما؟ فمن هي الحكومة اللبنانية التي لم تعبر عنها، السيد رمزي جريج؟ هل هي الحكومة اللبنانية فعلاً أم حزب الله؟ وهل تحتاج الدولة موافقة وتأييد هذا الحزب لكي تعتذر؟ وهل لبنان أصبح محتلاً فعلاً، لا يملك حتى حق التعبير عن حكومته؟ أو عن وجدان شعبه الذي تستضيف المملكة أرقاماً كبيرة منه منذ عدة عقود؟
يبدو أن الإعلام اللبناني مخترق بشكل رهيب، أحياناً تحت رايات حزبية صفراء، وأحياناً تحت مسميات النضال والحريّة، وبالطبع من حق أي إعلامي أن يعبر عن رأيه فيما يجري، ولكن بطريقة حضارية وموضوعية، ومنطقية، دون استخدام الشتائم وإهانة كرامة الشعوب وتاريخها، أو النيل والإساءة لأشخاصها ورموزها، وحتى لو تفهمنا الاحتقان والصدمة لدى المنتمين والمتعاطفين مع حزب الله، لما يجري في الساحة من مباغتة وإعادة ترتيب أوراق سياسية، إلا أنه يجب التحدث بموضوعية، لمن يعمل لدى جهات إعلامية مستقلة، أما من يعمل في الحكومة، فعليه أن يكون شجاعاً ويتحدث ويعتذر ويعقب باسم السلطة والحكومة اللبنانية!.